التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين 6 فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين 7 والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون 8 ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون 9}

صفحة 2500 - الجزء 4

  قلنا: اللام لام القسم، والنون نون التأكيد، وإنما لزم نون التأكيد القسم دون غيرها مما تدخل فيه للاجتماع بسببين:

  أحدهما: أنه طلب للتصديق.

  والثاني: أنه موضع تأكيد لدخول القسم، وإنما دخلت نون التأكيد مع لام القسم في المستقبل دون الماضي؛ لأنها تؤذن بطلب الفعل، وذلك يكون في المستقبل، وإنما فتحت هذه النون ما قبلها في جمع المتكلم ولم تفتحه في جمع الغائب؛ لأن الضمة يجب أن تبقى لتدل على الواو المحذوفة في (ليقصن) بالياء، وليس كذلك المتكلم؛ لأنه لا واو فيه، وقوله: «يَوْمَئِذٍ الحق» يجوز فيه الرفع والنصب، أما الرفع فعلى خبر الوزن، وأما النصب فعلى المصدر، والخبر يومئذ، عن الفراء.

  ويقال: ما أصل ميزان؟

  قلنا: مِوْزَان من الوزن، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فأما في (جوَاز) فلم تقلب؛ لأن الواو متحركة، مع أنها لم تَجْرِ على فعل لها.

  · المعنى: لما أنذرهم بعذاب الاستئصال عقبه بالإنذار بعذاب الآخرة فقال تعالى: «فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ» أقسم اللَّه - تعالى - أنه يسأل الخلق كلهم، الَّذِينَ أرسل إليهم الأمم، والمرسلون: الأنبياء، قيل يسأل الأمم ما أجبتم المرسلين، وما فعلتم فيما جاء به الرسل من الأوامر والنواهي، ويسأل الرسل ماذا عملت أممهم فيما جاؤوا به وما بلغوه، وقيل: يسأل الأمم عن الإجابة والرسل عن التبليغ، وقيل: سؤال الأمم سؤال توبيخ، وسؤال الرسل سؤال شهادة على الخلق، عن الحسن، وقيل: سؤال الأمم سؤال توبيخ، وسؤال الرسل سؤال إكرام وإعزاز.

  وفائدة السؤال أشياء:

  منها: ليعلم الخلق أنه - تعالى - أرسل الرسل، وأزاح العلل، وأنه لا يظلم أحدًا.