التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون 10 ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين 11}

صفحة 2505 - الجزء 4

  الحياة، والمعيشة والعيش واحد، وهو ما يعيش به من الزرع والضرع وغيره. والخلق:

  إحداث الشيء على تقديره، وأصله التقدير، وقيل: الخلق ما [يوجده مخترعًا].

  والتصوير: جعل الشيء على صورة، والصورة بنية على هيئة ظاهرة. والسجود: أصله الانخفاض، وهو في الشرع: وضع الجبهة على الأرض قال الشاعر:

  تَرَى الأُكم فيها سُجُّدا للحوافِرِ

  · الإعراب: «قليلًا»: نصب بوقوع (يشكرون) عليه، و (ما) صلة، وقيل تقديره: ما يشكرون قليلاً ولا كثيرًا، فلا يكون على هذا (ما) صلة، وقيل: تقديره: قليلاً شكركم.

  · النظم: يقال: كيف تتصل الآية بما قبلها؟

  قلنا: تذكير للنعم بالتمكين في الأرض، وما خلق فيها من الأرزاق مضافَا إلى نعمه بإنزال الكتب وإرسال الرسل، ثم عقب ما أنعم علينا بنعمه على آدم إذ كان أبًا لنا.

  ويقال: إذا كان (ثُمَّ) للتراخي كيف يصح نظم الآية مع أن الأمر بالسجود قبل خلقنا وتصويرنا؟

  قلنا: فيه سبعة أقاويل:

  أولها: معنى خلقناكم خلقنا أباكم آدم، وصورناكم أي: صورنا أباكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، عن أبي علي والحسن ويونس النحوي، وهذا كما يُذْكر المخاطَب ويراد سلفه، قال تعالى: {وَإذ أَخذنَا مِيثاقكم وَرفعنَا فوقكم الطُّورَ} أي: ميثاق أسلافهم يعني أسلاف بني إسرائيل زمن موسى، ومثل هذا يكثر في كلامهم، قال الزجاج: ابتدأنا خلقكم خلق آدم.