التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين 18 وياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين 19 فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين 20 وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين 21}

صفحة 2522 - الجزء 4

  ومتى قيل: كيف وسوس إليهما، وهما في الجنة وقد خرج منها؟

  قلنا: فيه ثلاثة أقوال:

  قيل: وسوس إليهما وهو في الأرض، وهما في الجنة فوصلت الوسوسة إليهما بالقوة التي خلقها اللَّه - تعالى - له، عن الحسن.

  وقيل: كانا يخرجان إلى السماء فيلقاهما هناك، عن أبي علي.

  وقيل: خاطبهما من باب الجنة، عن أبي بكر أحمد بن علي.

  «وَقَاسَمَهُمَا» قيل: حلف لهما بِاللَّهِ حتى خدعهما عن قتادة «إِنِّي لَكُمَا» يا آدم وحواء إني لكما من الناصحين. المخلصين النصيحة.

  ومتى قيل: هل صدّقاه فيما قال؟

  قلنا: لا؛ لأن في التصديق بالخلود إنكار الموت والبعث وذلك كفر، وآدم كان يعلم جميع ذلك وإبليس كان مقرًا به ولذلك قال: {إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ}، وقيل: ظنا صدقه على ظن أنهما يبقيان إلى وقت الثواب، ثم ينقلهما إلى دار الثواب والفناء إنما يعلم بالسمع، فيجوز أنه لم يرد عليه ذلك السمع أو أوهمه إبليس ذلك، وظنا أن لتلك الشجرة شأنًا عظيمًا، وهذا غير ممتنع.

  ومتى قيل: هل ظنا وأقدما على ذلك بقوله؟

  قلنا: قال أبو علي: لا؛ لأنه وعدهما الثواب على أكل الحرام وأنهما بالمعصية يستحقان أن يصيرا ملكين، ويخلدا في الجنة، وأقسم كاذبًا، وأظهر النصيحة كاذبا، وذكر أنه نهي عن ذلك؛ لئلا يبقى، وهذا كذب كله وغرور منه لهما، فلا يجوز على آدم أن يظن صدقه، أو يقبل به.

  وقيل: لَمَّا طالت الأيام وامتدت الوسوسة ونسي الوعيد أَكَلَ.

  وقيل: لم يأكل لوسوسته، ولكن تأول حتى دعته الشهوة إلى تلك الشجرة، فأكل من جنسها، لا من عينها، وقد بينا الكلام في ذلك في سورة البقرة.