قوله تعالى: {قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين 18 وياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين 19 فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين 20 وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين 21}
  البر، والشجرة اسم لكل ما له ساق، «فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ» لأنفسكما بأكلها، وهذا وعيد.
  ومتى قيل: كيف كان صغيرة مع أنه مقرون بالوعيد؟
  قلنا: فيه ثلاثة أوجه:
  قيل: نسيا الوعيد، وظنا أنه نهي تنزيه.
  وقيل: أخطآ في التأويل، وظنا أن النهي عن شجرة بعينها لا عن جنسها، فأكلا من الجنس، عن أبي علي.
  وقيل: نسيا النهي، والأصح ما قاله أبو علي؛ لأنه عند النسيان النهي لا يؤخذ به.
  {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيطَانُ} أي: لآدم وحواء.
  ومتى قيل: لم قال: وسوس لهما، ولم يقل: إليهما؟
  قلنا: لأنه في وسوسته له أوهم النصيحة له.
  «لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا» أي: ليظهر ما ستر من عوراتهما، وقال أبو علي: ليخرجا من الجنة ويسلبا من نعيمها من اللباس وغيره، واللام في قوله: «ليبدي» يحتمل لام (كي)؛ لأن قصد إبليس كان ذلك، وهو الوجه، ويحتمل أن يكون لام العاقبة أي: كان عاقبة وسوسته إياه أن ظهر سوآتهما، فلما كان ذلك عند الوسوسة والأكل جاز أن يضاف إليهما.
  ثم بَيَّنَ صفة الوسوسة فقال سبحانه: «وَقَالَ» يعني إبليس «مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ» قيل: أوهمهما أن مَنْ أَكَلَ من هذه الشجرة ففي حكمة اللَّه أن يصير ملكًا، ويجعله بصورة الملك، وقيل: أراد أن يكون بمنزلة الملك في علو المنزلة والرتبة لا الصورة «أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ» يعني من الدائمين، قيل: أطمعهما في شيئين: في درجة الملائكة، وفي الخلود.