التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون 27 وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون 28}

صفحة 2536 - الجزء 4

  على الباطل، كقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} وقيل: خلينا بينهم حتى صار بعضهم أولياء بعض، وقيل: جعلناهم قرناء لكفرهم وفسقهم، وقيل: تبرأنا منهم فصاروا أولياء الشيطان، عن أبي مسلم. كأنه وهب بعضهم لبعض، وذكر الَّذِينَ لا يؤمن ونتنبيهًا أنهم مع اجتهادهم وحرصهم أنهم لا يتمكنون من جهاد الكفرة والفساق الغفلة، وأنه لا سبيل لهم على العالم المتيقظ العامل بعلمه «وإذَا فَعَلُوا» قيل: كناية عن المشركين الَّذِينَ كانوا يرون سوآتهم في طوافهم، عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي والسدي. وقيل: هم عبدة الأوثان، عن الحسن وأبي علي. «فَاحِشَةً» قيل: ما عظم قبحه، عن الزجاج. وقيل: اسم جامع لكل المعاصي والقبائح، عن الأصم وأبي مسلم. وقيل: إظهار العورة عند الطواف، عن ابن عباس ومجاهد والسدي. وقيل: الشرك، عن الحسن وأبي علي. «قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا» قال: فيه إضمار، يعني فعلوا فاحشة، فنهوا عنه قالوا: وجدنا آباءنا «وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا» قيل: كان أهل الجاهلية أهل أخبار، وقالوا: لو كره اللَّه ما نحن عليه من الدين لَنَقَلَنَا عنه، فهو قولهم: (واللَّه أمرنا بها)، عن الحسن. وقال: توهموا أن آباءهم لم يكونوا عليه إلا وهو من قِبَلِ اللَّه، وإنما قاله آباؤهم عن جهل وسفه، وقيل: قيل لهم: فمن أين أخذ آباؤكم؟ قالوا: اللَّه أمرنا بها «قُلْ» يا محمد «إِنَّ اللَّهَ لا يَأمُرُ بِالْفَحْشَاءِ» بالقبائح «أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ» في ذلك «مَا لا تَعْلَمُونَ».

  · الأحكام: تدل الآية على التحذير من فتنة الشيطان.

  وتدل [على] أنهم يروننا ولا نراهم، وقد بينا أن ذلك لقوة شعاعهم، فلذلك يرى بعضهم بعضًا وضعف شعاعنا، وضعف الشعاع لا يكون منعًا ما لم ينضم إليه شيء من الموانع كالرقة والبعد، وقد زاد في التحذير بما ذكر من الصفة ليكون تحرزًا لنا أشد في جميع أحوالهم.