التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 33 ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون 34}

صفحة 2550 - الجزء 4

  تَعْلَمُونَ» يعني خرم القول على اللَّه بغير علم، قيل: في الشرك، وقيل: في التحليل والتحريم، وقيل: عام، وهو الوجه.

  ثم بَيَّنَ - تعالى - ما فيه تسلية للنبي ÷ في تأخير عذاب الكفار، فقال سبحانه: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ» أي: لكل جماعة وأهل عصر، وإنما ذكر الأمة دون كل أحد، قيل: لأن ذكر الأمة يقتضي تقارب أعمار أهل العصر، وقيل: لأنه يقتضي إهلاكهم في الدنيا بعد إقامة الحجة عليهم بالرسل «أَجَلٌ»، قيل: وقت يختبرهم، عن أبي علي. وقيل: وقت لاستئصالهم، عن الحسن والأصم. «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ» وقتهم «لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً» ولا يتقدمون ساعة؛ أي: عن ذلك الوقت لا يتأخر عذابهم وموتهم ولا يتقدم وإنما أدخل السين في «يستأخرون» للتأكيد يعني في الأجل يأتيهم، وبما عاينوا لا يطلبون التأخر.

  · الأحكام: تدل الآية على تحريم ما ذكر مقابلاً لتحليل ما تقدم، فالتحليل من نصيب الدنيا، والتحريم من نصيب الآخرة.

  وتدل على تحريم جميع الذنوب؛ لأن قوله: «الْفَوَاحِشَ ... وَالْإِثْمَ» يشتمل على الصغير والكبير، والأفعال القبيحة، والعقود المخالفة للشرع كالربا وغير ذلك، والأقاويل الفاسدة، والاجتهادات الباطلة، ودخل في قوله: «ما ظهر»، «وما بطن» أفعال الجوارح، وأفعال القلوب، والجنايات، والمكر، والخديعة، ودخل تحت قوله: «والبغي» كل ظلم وتعدٍّ على الغير، فيدخل فيه ما يفعله البغاة، والخوارج، والأمراء، والحكام إذا انتصروا بغير حق، ودخل تحت قوله: «وأن تشركوا» تحريم كل شرك وعبادة لغير اللَّه، ودخل تحت قوله: «وأن تقولوا» كل بدعة وضلالة، وفتوى بغير حق، وشهادة زور ونحوه، فالآية جامعة في المحرمات، كما أن ما [قبلها] جامعة في المباحات، وفيه تعليم الآداب دينًا ودنيا.