التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 33 ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون 34}

صفحة 2549 - الجزء 4

  قلنا: النهي صيغة يخاطب بها المنهي فتعدى إليه، ثم احتيج إلى الفرق بين المنهي والمنهي عنه فدخل حرف الإضافة لهذه العلة.

  والتحريم تَعَدّ إلى القبيح؛ لأنه يتعلق به ما احتيج إلى الفرق بين المحرم والمحرم عليه، فدخل حرف الإضافة فيه.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ - تعالى - المحرمات، فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد «إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ» قيل: جميع القبائح والمحظورات والكبائر، عن الأصم وأبي علي وأبي مسلم. وذكر الجملة ثم فصل، كأنه قيل: الفواحش التي منها البغي والإثم والإشراك بِاللَّهِ، وقيل: الفواحش: الربا، وهو الذي بطن، والتعري في الطواف وهو الذي ظهر، عن مجاهد. وقيل: هو الطواف عريانًا «مَا ظَهَرَ مِنْهَا» طواف الرجال بالنهار «وَمَا بَطَنَ» طواف النساء بالليل، وقيل: ما ظهر: أفعال الجوارح، وما بطن: أفعال القلوب، وقيل: ما ظهر: ما جاهر بعضهم بعضًا، وما بطن: ما ستر بعضهم عن بعض من الإثم، وقيل: الفواحش الكبائر، «وَالْإِثْمَ» الصغائر، عن الأصم، وقيل: الإثم الذنوب والمعاصي، عن أبي علي. وقيل: الإثم ما دون الحد، وقيل: الإثم الخمر عن الحسن، وأنشد الأخفش:

  شَرِبت الإثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي ... كَذَاكَ الإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ

  وقال آخر: نهانا رسول اللَّه ÷ أن نقرب الخنا، وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزر. «وَالْبَغْيَ» قيل: الاستطالة على الناس، والظلم عليهم، والبغي: الفساد بغير حق؛ لأن البغي قد يخرج عن كونه ظلمًا إذا كان بسبب جائز في الشرع كالقصاص، وقيل: البغي لا يكون إلا مذمومًا وذكر {بِغَيْرِ الْحَقِّ} تأكيدًا [كـ قوله]: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ}، «وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ» يعني حرم الشرك «مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَانًا» أي: لم تقم عليه حجة؛ لأن الشرك لا دلالة فيه ولا حجة «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لا