التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون 42 ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون 43}

صفحة 2567 - الجزء 4

  «وَمَا كنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» إليه بدلائله وألطافه «لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ» قيل: جميع ما أمروا ونهوا ووعدوا وأوعدوا وجدناه حتمًا، وقيل: شكروا الأنبياء على حثهم ودعائهم إلى الدين كما شكروا اللَّه - تعالى - في الهداية والتمكين «وَنُودُوا» يعني يناديهم مناد من اللَّه تعالى، وقيل: يجوز أن يخاطبهم اللَّه - تعالى - بذلك «أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ» أي: هذه الجنة «أُورِثْتُمُوهَا» أي: أُعطيتموها إرثًا، وقيل: معناه صارت لكم، كما يصير الميراث لأهله، عن الأصم. وقيل: ورثهم منازل الكفار التي حرموها لكفرهم، عن الحسن.

  وفي خبر معروف مرفوع: «لكل مكلف موضع من الجنة فإذا كفر أعطي منزله المؤمن»، وقيل: لأنهم أعطوها بلا نَصب وكد كالإرث، وقيل: أعطوها باستحقاق كالوارث «بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»، أي: جزاءً لأعمالكم بلا منّة لأحد غير اللَّه عليكم، فيعظم بذلك سرورهم ويشكرون اللَّه - تعالى - على ذلك.

  · الأحكام: تدل الآية أن الجنة لا تستحق إلا بالإيمان والعمل الصالح، خلاف قول المرجئة.

  وتدل على أنه ليس بتفضل محض على ما يقوله بعضهم؛ لذلك قال: «بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».

  وتدل أنها تستحق على الأعمال خلاف قول من يقول إن الثواب يستحق على جهة الأصلح.

  وتدل على أن أهل الجنة مخلدون، فيبطل قول جهم: إن الجنة والنار يفنيان.

  وتدل على أنه لا يكلف ما لا يطاق، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ، فيبطل قولهم في الاستطاعة والمخلوق.

  وتدل على أن أعمال العباد حادثة من جهتهم؛ لذلك أضاف العمل إليهم، وأوجب الجزاء لهم فيبطل قولهم.