التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون 42 ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون 43}

صفحة 2566 - الجزء 4

  · المعنى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا» صدقوا اللَّه ورسوله «وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» الطاعات وما أمروا به «لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» يعني لا نُحَمّلُه إلا ما في قدرته وطاقته، وقيل: لا يكلف من الأعمال الصالحة إلا ما يقدر عليه العباد، عن أبي مسلم. «أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ» الملازمون لها الدائمون فيها «هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» دائمون «وَنَزَعْنَا» أي: أذهبنا وأبطلنا «مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» أي: غش وحقد وعداوة، وقيل: أذهب ذلك بألطافه حتى تاب وذهب حقد العداوة، عن أبي علي. وقيل: بخلوص المودة بينهم حتى ذهب الحقد والعداوة، عن أبي علي. وقيل: بالأمر إياهم أن يجتنبوا عداوة المؤمنين، فكأنه أذهبه، وقيل: [بإعطائهم جميع] الأماني حتى ارتفع الطمع والحسد والعداوة، وقيل: بقصور شهواتهم على ما أعطوا، فلم [يبق في قلبهم] موضع للحسد والغل، عن القاضي. وقيل: يلجؤون إلى ترك كل قبيح بأن يعلموا أنهم لو راموا فعله لمنعوا منه، وقيل: شفى غيظهم بعقوبة أعدائهم، فخرجت العداوة عن قلبهم، واختلفوا، فقيل: إن هذا النزع في الآخرة، وقيل: في الدنيا والآخرة «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ» من تحت أبنيتهم وأشجارهم «وَقَالُوا» يعني أهل الجنة «الْحَمْدُ لِلَّهِ» شكرًا منهم على نعمه إليهم «الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا» قيل: دلنا على الجنة بالأدلة في الدين، وقيل: هدى إلى طريق الجنة ومنازلها، وقيل: الحمد لله الذي أعطانا بقليل العمل كثير الثواب، وقيل: لطف لهم حتى انصرفوا عن المعاصي، فكانت المنّة لله في دخولهم الجنة، واعترفوا بذلك شكرًا له، وتلذذوا بذلك الشكر؛ لأنه ليس هناك تكليف، وقيل: الحمد لله الذي هدانا لعملٍ هذا ثوابه؛ أي: دلنا.

  ومتى قيل: إذا كان الثواب جزاء عملهم فكيف يحمدونه عليه؟

  قلنا: إذا كان التمكين والهداية والألطاف من جهته فكأنه منه.