التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون 46 وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين 47}

صفحة 2574 - الجزء 4

  العباس وحمزة وعلي وجعفر ¤ يعرفون محبهم ببياض الوجوه، ومبغضهم بسواد الوجوه «يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ» أي: يعرفون كل أحد بعلاماتهم، قيل: سيما أهل الجنة ببياض الوجوه وحسن العيون، وسيما أهل النار بسواد الوجوه وزرقة العيون، عن الحسن. وقيل: بسيماهم الَّذِينَ كانوا يشاهدونهم في الدنيا. «ونادوا [أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا]»، يعني أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة بعد، عن ابن عباس وابن مسعود والحسن وقتادة. وقيل: أهل الجنة، عن أبي مجلز.

  ومتى قيل: إذا كان أصحاب الأعراف أفاضل المؤمنين، فلم تأخر دخولهم؟

  قلنا: لأنهم يحصلون اللذة بالشماتة على الأعداء، أو أن تأخر دخولهم لظهور فضلهم وجلالة موقعهم، فيشمتون بأهل النار، ويهنئون أهل الجنة.

  وقيل: منزلتهم عالية، فالأعراف طريقهم إلى منازلهم، فقد روي أن أهل عليين يراهم من تحتهم كما يرون الكوكب في أفق السماء، وأن أبا بكر وعمر منهم، وقيل: لأنهم شهدوا الآخرة.

  «وَهُمْ يَطْمَعُونَ» هذا طمع يقين كقول إبراهيم: {أَطمَعُ أَن يَغفِرَ لِي} عن الحسن وأبي علي. وإنما قال: «صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ» يعني أبصار أهل الأعراف، وقيل: يحتمل أبصار أهل الجنة، عن الأصم. وإنما قال: «صُرِفَتْ» لأن نظرهم إلى أهل النار نظر عداوة، فلا ينظرون إلا أن تصرف وجوههم إليهم، فأما أهل الجنة فوجوههم إليهم، سرورا بهم، فلا يحتاج إلى تكلف، وقيل: لأنهم مع أهل الجنة بعد أمر أهل النار فيحتاجون إلى صرف أبصارهم إليهم «تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ» أي جهتهم، «قَالُوا» يعني أصحاب الأعراف متعوذين «رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» يعني ما هم إليه صائرون، هذا على وجه السرور لا على وجه التعبد.