التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون 46 وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين 47}

صفحة 2573 - الجزء 4

  الثاني: أنه من وسمت، قلبت الواو إلى موضع العين، فيكون على هذا عَفْلَى كما قالوا: جَاهٌ أي: وجه، وأرض خَامَة أي وَخْمَة.

  · المعنى: لما تقدم ذكر الفريقين في الجزاء، بَيَّنَ مكانهما، فقال سبحانه: «وَبَينَهُمَا حِجَابٌ» أي: بين الفريقين أهل الجنة وأهل النار ستر، وهو الأعراف عن أبي مسلم. وقيل: بين الجنة والنار، عن أبي علي. «وَعَلَى الأعراف» قيل: سور بين الجنة والنار، عن مجاهد والسدي. وفي التنزيل: من الجنة والنار عن أبي علي {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} والأعراف اسم لذلك السور، وقيل: الأعراف شُرَفُ السور، عن أبي علي. وقيل: سمي أعرافًا لارتفاعها، وقيل: سمي أعرافًا لأن أهلها يعرفون الناس، عن السدي. وقيل: الأعراف: الصراط، «وَعلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ» قيل: هم فضلاء المؤمنين، عن الحسن ومجاهد. وقيل: هم شهداء، وهم عدول الآخرة، عن أبي علي. وقيل: هم الأنبياء، وقيل: قوم قتلوا في سبيل اللَّه، فَأُطْلِعُوا على أعدائهم ليشمتوا بهم، فعرفوهم بسيماهم، وسلموا على أهل الجنة، وقيل: هم ملائكة يُرون في صورة الرجال يعرفون أهل الجنة وأهل النار، عن سليمان التيمي وأبي مجلز، فقيل: لأبي مجلز: فإنه - تعالى - يقول: «وعى الأعراف رجالٌ» وأنت تزعم أنهم ملائكة، فقال: إنهم ذكور، ليسوا بإناث، وقيل: هم قوم بطأت بهم صغائرهم إلى آخر الناس، عن حذيفة. وقيل: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهذا لا يجوز؛ لأنه - تعالى - بَيَّنَ في مواضع فمن ثقلت موازينه، ومن خفت موازينه؛ لأن الإجماع انعقد أن كل مطيع أو عاص لا بد أن يصير إلى إحدى الدارين، وروى الضحاك عن ابن عباس أن الأعراف موضعٌ عالٍ على الصراط، عليه