قوله تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون 48 أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون 49}
  قلنا: رفع؛ لأنه خبر هَؤُلَاءِ، ولا يجوز أن يكون صفة لهَؤُلَاءِ من وجهين:
  أحدهما: أن المبهم لا يوصف بالجنس.
  والآخر: أنه يبقى المبتدأ بغير خبر.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ - تعالى - ما خاطب به أهلُ الأعراف أصحاب النار، فقال سبحانه: «وَنَادَى» أي: سينادي، وذكر على لفظ الماضي للوجهين اللذين تقدما، أحدهما: تحقق كونه، الثاني: على حَذْفِ: إذا كان يوم القيامة. «أَصْحَابُ الأعرافِ رجالاً» من أهل النار، قيل: عظماء أهل الضلالة عرفوا أماكنهم من النار «يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ» أي: بعلاماتهم، قيل: بسواد الوجوه وتشويه الخلق وزرقة العين، عن أبي علي. وقيل: بصورهم التي كانوا يعرفونهم بها في الدنيا، عن أبي مسلم. وقيل: بالأعلام الدالة على كفرهم، عن الأصم. «قَالُوا» يعني أصحاب الأعراف لهم «مَا أَغنَى عَنْكُمْ» أي: ما نفعكم ولا يغني عنكم شيئًا «جَمْعُكُمْ» قيل: جماعتكم التي استندتم إليها، عن الأصم وأبي علي. وقيل: جمعكم للأموال والعدد في الدنيا «وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» أي: ما كنتم تتكبرون عن قبول الحق، فإنا نصحناكم فتكبرتم واشتغلتم بالجمع والمال فلم تقبلوا منا، فأين ذلك الجمع، وأين ذلك المال، وأين ذلك التكبر؛ لا يغني عنكم شيئًا «أَهَؤُلَاءِ» استفهام والمراد به التوبيخ.
  واختلفوا من القائل «أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ» على أقوال:
  الأول: قيل: أصحاب الأعراف، عن الحسن وأبي مجلز، وهو قول أبي علي، يقولون: «أَهَؤُلَاءِ» يعني أهل الجنة «أَقْسَمْتُمْ» حلفتم يا أهل النار أنه لا ينالهم اللَّه برحمة، قال الكلبي: ينادون وهم على سور: يا وليد بن مغيرة، يا أبا جهل بن هشام، ويا فلان، ويا فلان، ثم ينظرون إلى أهل الجنة، فيرون الفقراء مثل: سلمان،