التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون 57}

صفحة 2596 - الجزء 4

  يعني الرياح التي تهب بكل ناحية، قال أبو بكر بن عياش: لا تمطر قطرة حتى تعمل فيها أربع: الرياح الصبا تهيجه، والشمال تجمعه، والجنوب تدره، والدبور تفرقه، وبالباء مبشرًا «حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا» قيل: حملت، وقيل: رفعت وكلاهما بمعنى واحد «سَحَابًا ثِقَالًا» بالمطر «سُقْنَاهُ» إلى بلد «مَيِّتٍ» وموت البلد بِعَفاء مزارعه، ودروس مشاربه، لا نبات فيه ولا زرع «فَأَنْزَلْنَا بِهِ» قيل: بالسحاب، وقيل: بالبلد، عن الأصم وأبي علي وأبي مسلم. وعنى بالماء المطر «فَأَخْرَجْنَا بِهِ» يعني بالماء، عن أبي علي، وأبي مسلم. وقيل: بالبلد، عن الأصم. «مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ» يعني المعتادة في كل بلد، يخرجه على الوجه الذي أجرى العادة بها ودبرها «كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى» أي: كما نخرج النبات بعد أن لم يكن، كذلك نحيي الموتى، ونخرجهم من الأرض «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» أي: لكي يذكركم المَثَلَ المضروب في تشبيه إخراج الموتى بالنبات، فإن قُدْرَتَهُ على إحياء الموتى كقدرته على إخراج النبات، عن أبي مسلم. وقيل: لتذكروا قدرة اللَّه على إحداث الأجسام فتوحدوه وتعبدوه، عن الأصم وأبي علي.

  · الأحكام: تدل الآية على عظيم نعمه علينا بالمطر دينًا ودنيا.

  وتدل على الحجاج في إحياء الموتى بإحياء الأرض بالنبات.

  وتدل أنه أراد من الجميع التذكر، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  وتدل على أنه أجرى العادة بإخراج النبات بالماء وإلا فهو قادر على إخراجه من غير ماء، فأجرى العادة على وجوه، ودبرها عليها على ما نشاهده لضرب من المصلحة دينًا ودنيا.

  أما الدينية: فلكونه لطفًا في طلب الجنة، والتشمير للعبادة؛ لأن العاقل إذا استحسن تحمل المشقة الكبيرة لنفع قليل، فلأن يتحمل لنعم دائمة قليل المشقة أولى.

  ومنها إذا رأى الأرض الطيبة تُزرع دون الأرض السبخة، فإنها قطع متجاورات، علم فساد التقليد، وأن يجب أن يتفحص عن الحق حتى يعتقده.