قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم 59 قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين 60 قال ياقوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين 61 أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون 62 أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون 63 فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين 64}
  إلى بيان الشرائع إلا بعد العلم بالتوحيد والعدل، ولأنهم لا ينتفعون بذلك إلا بعد اعتقاد التوحيد، فلذلك بدأ به، ولأنه أهم من الشرائع فبدأ بالأهم، وهكذا جميع الرسل بَدَؤُوا بالتوحيد، ثم بالشرائع؛ ولذلك كان أكثر حجاج نبينا ÷ بمكة في التوحيد، فلما هاجر إلى المدينة، وثَمَّ اليهود - كان النزاع في النبوة.
  ومنها: أنه لا بد لكل نبي أن يحمل رسالة إلى قومه.
  ومنها: تدل على بطلان قول أصحاب المعارف لقوله: أعلم ما لا تعلمون، وبقوله: «عمين».
  ومنها: بطلان مذهب الْمُجْبِرَة في الإرادة والمخلوق؛ لأن قوله: «لتتقوا» يقتضي أن التقوى فِعْلُهُم، وأنه - تعالى - يريد ذلك منهم.
  (من القصة)
  قد بَيَّنَّا ما قيل في سِنِّهِ ونسبه، وكان من قصته أن اللَّه - تعالى - بعثه إلى الخلق، فدعا إلى اللَّه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وكانوا أصحاب أصنام، وأصنامهم ما عدّ اللَّه - تعالى - في سورة نوح: ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر. وتوالت القرون على تكذيبه، فلما أيس منهم دعا عليهم بأمر اللَّه تعالى، فأمره - تعالى - باتخاذ السفينة، فكانوا يمرون عليه، وهو يصنع السفينة، فيسخرون منه ويقولون: صرت نجارًا بعدما كنت نبيًّا، وكان علامة الطوفَان أن يفور التنور، فلما ظهر ذلك جعل في السفينة من كل زوجين اثنين وأهله إلا امرأته كانت كافرة وابنه كان كافِرا، وكان الطوفان على ما نص اللَّه تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ١١ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ١٢}، وعرف الناس، واستوت السفينة على الجودي، وتوالد الناس من بنيه الثلاثة، فالعرب والعجم والروم من ابنه سام، والهند والزنج والحبشة من حام، والترك ويأجوج من يافث.