التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين 80 إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون 81 وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون 82 فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين 83 وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين 84}

صفحة 2627 - الجزء 4

  · الأحكام: يدل قوله: «أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ» أن ذلك الفعل كبير عظيم، فلذلك سماه فاحشة، ووصفهم بالسرف.

  ويدل قوله: «فانظر» على التحذير من فعلهم كي لا ينالهم ما نال أولئك من عذاب اللَّه.

  وتدل على أن تلك الفواحش فعلهم، فصح مذهب أبي [علي وأبي هاشم] في المخلوق.

  ولا خلاف في تحريم ذلك في شريعتنا، وعظم الأمر فيمن عمل ذلك، فقال أبو حنيفة: فيه التعزير ولاحدَّ. وقال أبو يوسف ومحمد: فيه حد الزنا، [وقال بعضهم]: القتل.

  وروي أن خالد بن الوليد كتب في ذلك إلى أبي بكر، فشاور الصحابة ثم أمر بحرقه، فلو كان فيه حدّ معلوم لما خفي عليهم، والخرق ليس بحدّ.

  وروي أن عبد الملك بن مرْوان سأل قاضي حمص عن ذلك فقال: يرمى بالحجارة كما رجم قوم لوط، قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} ففعله عبد الملك وحسنه.

  وروى ابن عباس أن النبي ÷ قال: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه».

  القصة

  وجملة قصتهم فيما نقله أهل التواريخ أن اللَّه - تعالى - بعث لوطًا إلى هذه المدائن، فعصوه وفعلوا الفواحش على ما قص اللَّه تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} وكانوا لا يسترون الفواحش بعضهم عن بعض، فبعث اللَّه - تعالى - جبريل مع جماعة من الملائكة