التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين 85 ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين 86 وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين 87}

صفحة 2630 - الجزء 4

  والباء في قوله: «بكل صراط» قيل: بمعنى (على)، وقد يجوز تعاقب الحروف الثلاثة ههنا (الباء) و (على) و (في)، تقول: لا تقعدوا بكل صراط، وعلى كل صراط، وفي كل صراط؛ لأنه اجتمع فيه معاني هذه الحروف الثلاثة؛ لأن الباء للإلصاق وهو قد لاصق المكان و (على) للاستعلاء، وهو قد علا المكان، و (في) للمحل، وهو قد حل المكان. وقيل: الباء ههنا للإلصاق.

  ويقال: لم جاز «وإن كان طائفة» وطائفة مؤنث؟

  قلنا: لأنه يرجع إلى الرجال وإن كان اللفظ مؤنثًا، فإنه غلب فيه المعنى ليدل على معنى التذكير، وقيل: إنه يذكّر المعنى، وإن كان اللفظ مؤنثا، ويؤنث المعنى، وإن كان اللفظ مذكرًا، كقول الشاعر:

  سَائِلْ بَنيِ أَسَدٍ مَا هَذِه الصَّوْتُ

  يريد الصيحة.

  · المعنى: ثم ذكر - تعالى - قصة شعيب معطوفًا على القصص المتقدمة «وَإِلَى مَدْيَنَ» قيل: وأرسلنا إلى مدين فحذف لدلالة الكلام عليه، ومدين قيل: اسم قبيلة، وقيل: اسم موضع، وقيل: اسم جد شعيب وهو مدين بن إبراهيم. واختلفوا: فقيل: هم أصحاب الأيكة، وقيل: أرسل شعيب مرة إلى أصحاب الأيكة ومرة إلى مدين وهما متغايران، وكان يقال: إن شعيبًا خطيب الأنبياء لحسن مرافقته لقومه ودعائه إلى اللَّه تعالى، وكان قومه أهل كفر وظلم و «قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ