التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين 85 ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين 86 وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين 87}

صفحة 2631 - الجزء 4

  جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ» أي: حجة وبرهان وهو المعجزة التي أظهرها اللَّه عليه، وقال الفراء:

  هو ممن بعث ولم يكن له آية إلا النبوة وهذا غلط؛ لأن النبي يتميز عن غيره بالمعجزة، فلا يجوز أن يبعث نبي إلا ومعه معجزة، ولأنه لا بد أن يدعو إلى شيء من الشرع ويجب قبوله فلا بد من دليل يعلم صدقه، وما ذلك إلا المعجزة.

  واختلفوا، فقيل: لا يجوز أن يبعث إلا ومعه شرع، عن أبي هاشم.

  وقيل: يجوز أن يدعو إلى ما في العقل، عن أبي علي والإخشيدية.

  «فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ» أي: أتموا ما تكيلون على الناس وما تزنون عليهم بالميزان «وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ» أي: لا تنقصوهم حقوقهم، وقيل: البخس الظلم، عن قتادة والسدي. «وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا» قيل: لا تفسدوا بالعصيان من سفك الدماء واستحلال الحرام بعد أن أصلحها اللَّه ببيان الدين وإرسال شعيب، عن ابن عباس. وقيل: لا تفسدوها بعد أن أصلحها اللَّه بالمحاسن بألّا تؤمنوا فيهلك من هلك الحرث والنسل، وقيل: لا تفسدوا ببخس الكيل والميزان بعد أن كانت مستقيمة في بلادكم، عن أبي علي. «ذَلِكُمْ» يعني ما أمرتكم به «خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» مصدقين لي فيما أقول «وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ» أي: بكل طريق توعدون الناس، وقيل: كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيبًا للإيمان به فيخوفونه بالقتل عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد. وقيل: كانوا يقطعون الطريق، فنهاهم عنه، عن أبي هريرة وعبد الرحمن بن زيد. وقيل: كانوا عشارين، عن السدي وأبي روق. وقيل: بكل طريق من طريق الدين، فيطلبون له العوج بإيراد الشُّبَه، وكانوا يقولون لشعيب: إنه كذاب لا يفتنكم عن الدين وتوعدونه «وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ