التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون 94 ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون 95}

صفحة 2644 - الجزء 4

  السيئة، ووضعنا الحسنة مكانها، وقيل: السيئة: الشدة، والحسنة: الرخاء، عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد. قال أبو علي: وهو في هذا الموضع توسع ومجاز، وقيل: سميت سيئة؛ لأنها تسوء صاحبها «حَتَّى عَفَوْا» قيل: كثروا، عن ابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد. وقيل: سمنوا، عن الحسن. وقيل: عفوا أي: أعرضوا عن الشكر، يقال: عفوت عنه أي: أعرضت عنه، عن أبي مسلم. وأصله: الترك فكأنه قيل: تركوا حتى كثروا وسمنوا وتركوا أمر اللَّه، والمراد بالآية: أنه - تعالى - لرحمته لا يدع وجهًا فيه لطف إلا ويفعله بهم ليستدرجهم إلى الإيمان، وقيل: سروا، عن قتادة. وقيل: أشروا وبطروا، عن مقاتل. «وَقَالُوا» من جهلهم وغفلتهم «قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ [وَالسَّرَّاءُ]» يعني أن هذا عادة الدهر مرة يسرًا ومرة عسرًا، وأصاب آباءنا كما أصابنا، فكونوا على ما أنتم كما كان آباؤكم، فأتاهم «بَغْتَةً» أي فجأة مصلحة وعبرة لمن بعدهم «وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ» أي: لم يعلموا أن العذاب نازل بهم، ولم يرو أنه لذلك ومقدِّمة، عن الأصم وأبي علي وأبي مسلم.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه - تعالى - يفعل بعباده ما هو الأصلح لهم في دينهم؛ لأنه يأخذ مرة بالنعم، ومرة بالمحق كل ذلك لمصلحتهم.

  وتدل أن التكليف يتغير بعد الإرسال لذلك قال: «أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ».

  وقوله: «لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ» يدل أنه أراد من جميعهم التضرع، خلاف قول الْمُجْبِرَة.

  وتدل أن التضرع فعلهم، فيبطل قولهم في المخلوق.

  وتدل على أن العذاب نزل بهم بغتة عبرة لبعض المكلفين.