التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين 103 وقال موسى يافرعون إني رسول من رب العالمين 104 حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل 105 قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين 106 فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين 107 ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين 108}

صفحة 2657 - الجزء 4

  · المعنى: ثم بَيَّنَ - تعالى - قصة موسى عطفا على ما تقدم من قصص الأنبياء تسلية للنبي ÷ وعظة لقومه، فقال سبحانه: «ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ [مُوسَى بِآيَاتِنَا]» بحججنا «إِلَى فِرْعَوْنَ» وقيل: اسمه قابوس، ذكره أهل الكتاب، وقيل: الوليد بن مصعب بن الريان عن وهب.

  وقيل: هو فرعون يوسف، وقيل: هو غيره، وقيل: عُمِّر أكثر من أربعمائة سنة «وَمَلأِهِ» قيل: أشراف قومه وذوو الأمر منهم لأن الرسول يخاطبهم دون غيرهم، عن الأصم.

  وقيل: جماعتهم، عن أبي علي. «فَظَلَمُوا بِهَا» أي: بالآيات، قيل: ظلموا أنفسهم بجحدها، عن الحسن وأبي علي. وقيل: ظلموها بوضعها غير موضعها فجعلوا إبدال الإيمان بها الكفر والجحود، وقيل: ظلموا جحدوا وكفروا، عن أبي مسلم. وقيل: ظلموا تلك النعم التي أتاهما لله، قال: استعانوا بها في معصية اللَّه - تعالى - عن الأصم. وقيل: ظلموا الرسول بها بأن قالوا: إنه سحر وتمويه «فَانْظُرْ» تفكر أيها النبي، وقيل: أيها السامع «كيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» يعني ما آل إليه أمرهم في الهلاك «وَقَالَ مُوسَى يَافِرعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ» قيل: لما دخل على فرعون مصر وكان بين اليوم الذي دخل يوسف مصرًا، واليوم الذي دخلها موسى رسولاً أربعمائة عام عن وهب. «مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ» مالكهم وخالقهم، كأنه قال: إني رسول ربك إليك يا فرعون «حَقِيقٌ عَلَى» قيل: في الكلام حذف كأن فرعون قال له: كذبْتَ، فقال موسى: «حَقِيق عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقَّ» إني حقيق بألّا أقول على اللَّه غير الحق «قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ» أي: بحجة معجزة «مِنْ رَبِّكُمْ» أعطانيها ربكم «فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ» أي: خلهم من اعتقالك، وكان اعتقلهم للاستخدام في الأعمال الشاقة، فقال فرعون «إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ» أي: بحجة «فَأْتِ بِهَا إِنْ كنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» في قولك جئت بآية، وقيل: إن كنت من الصادقين في أنك رسول اللَّه، عن أبي علي. «فَأَلْقَى عَصَاهُ» عن يده «فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ» قيل: حية عظيمة ذكر فاغرة فاها، بين فكيها ثمانون ذراعًا، عن ابن عباس والسدي. وقيل: أربعون ذراعًا، واضعة أحد لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر، ثم قصدت فرعون فهرب منها، وهرب الناس،