قوله تعالى: {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين 113 قال نعم وإنكم لمن المقربين 114 قالوا ياموسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين 115 قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم 116}
  خيروا موسى كالواثق بالفوز؛ لأنهم سمعوا حديث العصا فظنوا، أنه من قبل السحر «قَالَ» موسى «أَلْقُوا» يعني حبالكم وعصيكم.
  ومتى قيل: كيف قال ألقوا وإلقاؤهم كفر؟
  قلنا: أذن في إلقائه لإبطاله كمن يريد سماع شبهة ملحد فيقول: هات وقل، وكقوله: {فَأتُوا بِسُورَةٍ} وقيل: تقديره: ألقوا إن كنتم محقين، فكأن الإذن بهذا الشرط عن أبي علي. وقيل: ألقوا على ما يصح ويجوز لا على ما يفسد ويستحيل «فَلَمَّا أَلْقَوْا» يعني ألقت السحرة حبالهم وعصيهم كانوا صوروا صورًا تشبه الحيات العظيمة والأساود وجعلوها ملونة وجعلوا فيها الأحوية وحبسوها بالزئبق وعند ذلك لما ارتفع النهار وحميت تحركت وتركت بعضها بعضًا حتى ظنوا أنها أحياء «سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ» يعني أوهموهم أمرًا يعرفون حقيقته وخفي عليهم لبعده وظنوها حيات، عن أبي علي. وأصل السحر خفاء الحيلة، وقيل: موهوا لهم الأمر فأروهم الشيء خلاف حقيقته، والسحر التمويه، عن أبي مسلم. وهذا يقرب من الأول «وَاسْترْهَبُوهُمْ» أي: أرادوا إرهابهم بذلك، وقيل: أرهبوهم، وأصل هذا السحر الطلب، فكأنهم طلبوا بما فعلوا إرهاب الناس، وإنما خافت لسوء اعتقادهم في تجويز قلب الأعيان، وهذا كمن يصدق حديث الجن، ولذا يخافهم، وقيل: بعثوا جماعة ينادون عند إلقاء ذلك: أيها الناس احذروا فهذا هو الاسترهاب «وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ» أي: تمويه لم يكن من جنسه أعظم؛ لأنهم أتوا بجميع ما كان في وسعهم، وقيل: عظم عند الناس لاستعظامهم لذلك لا أنه عظيم في نفسه؛ لأنه تمويه، عن أبي علي.