قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون 117 فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون 118 فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين 119 وألقي السحرة ساجدين 120 قالوا آمنا برب العالمين 121 رب موسى وهارون 122}
  موقفهم الذي تواعدوا له «وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ» يعني سجدوا لَمَّا عاينوا تلك الآيات، وإنما قال: «وألقي» وإن كان هم الفاعلين قيل: ألقاهم ما رأوا من عظيم آيات اللَّه بأن دعاهم إلى السجود لله، وقيل: لما رأوا الآيات لم يتمالكوا حتى سجدوا، ومثل هذا يجوز في العربية، يقال: فلان معجب بنفسه وإن كان أتى من قبله وليس هناك غيره، وقيل: لما أمرهم اللَّه بالسجود ولطف لهم بتلك الآيات صار كأنه ألقاهم في السجود.
  ومتى قيل: كان يجب عليهم المعرفة والإيمان، فلماذا بَدَؤُوا بالسجود؟
  قلنا: عرفوا ثم آمنوا ثم سجدوا شكرًا لله - تعالى، وخضوعًا له، فجمعوا بين الإظهار للحق والخضوع لله تعالى.
  «قَالُوا» يعني السحرة «آمَنَّا» صدَّقنا «بِرَبِّ الْعالمينَ» خالقهم ومدبرهم «رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ» يعني الذي يدعو إلى الإيمان به موسى وهارون، وقيل: ربهما الذي أرسلهما، وقيل: خصهما بالذكر تشريفًا وتعظيمًا لهما.
  · الأحكام: تدل الآية أن القوم كانوا أعرف الناس بالسحر، فلما رأوا المعجزة علموا عرفوا أن ليس من جنس السحر، فآمنوا في الحال وإن كانوا غير عالمين لَبَقِيَتْ لهم شبهة.
  وتدل على أنهم بتلك الآيات استدلوا على التوحيد والنبوة؛ لذلك اعترفوا بهما.
  وتدل على أنه لا يجوز ظهور المعجزة على غير نبي؛ إذ لو جاز ذلك وجاز على الكفرة على ما زعمه الحشوية لكان لا يسرعون إلى الإيمان بموسى لمكان تلك المعجزات.
  وتدل على أن الأنبياء لا يقدمون في أمر إلا بوحي، وأن تلك العصا كثيرًا ما تلقى فلا تصير حية حتى يأمره اللَّه - تعالى - بإلقائها فيصيرها حية، عن الأصم.
  وتدل أن ذلك الإيمان فِعْلُهُم؛ لذلك مدحوا به، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.