التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون 117 فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون 118 فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين 119 وألقي السحرة ساجدين 120 قالوا آمنا برب العالمين 121 رب موسى وهارون 122}

صفحة 2673 - الجزء 4

  الجملة إنما خاف على الناس، فأوحى إليه اللَّه في تلك الحال «وأَلْقِ عصاكَ» وألقاها «فإِذَا هِيَ» يعني العصا بعد أن صارت حية «تَلْقَفُ» تبتلع تناولاً بفيها بسرعة حالاً بعد حال «مَا يَأْفِكُونَ» قيل: ما يكذبون، عن مجاهد. وقيل ما يكذبون أن حبالهم وعصيهم كعصا موسى، عن الأصم. وقيل: ما يقلبون ويزورون على الناس في الحبال والعصي «فَوَقَعَ الْحَقُّ» قيل: ظهر الحق وهو أمر موسى وصحة نبوته ومعجزته، عن الحسن ومجاهد. ووقع الحق بأن صارت العصا حية في الحقيقة وبطل تمويهاتهم، عن أبي علي. «وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» من السحر والتمويه.

  ومتى قيل: كيف ظهر ذلك حتى علمه الجماعة؟

  قلنا: لما رأوا تلك الآيات الباهرة في العصا علم أنه أمر سماوي.

  ومتى قيل: كم آية رأوا في العصا؟

  قلنا: آيات جمة:

  منها: قلب العصا حية.

  ومنها: أكل الحبال والعصي مع كثرتها، وليس ذلك مما تأكلها الحيات.

  ومنها: فناء حبالهم وعصيهم في بطنه مع سرعته وكثرته إما بالتفريق أو بالفناء عند من يجوزه، وكلاهما معجزة عظيمة.

  ومنها: عودها كما كانت عصا من غير زيادة ولا نقصان، وعلموا أن شيئًا من ذلك ليس بسحر؛ لأن السحر تمويه وهذه أمور ناقضة للعادة لا يقدر عليها غير اللَّه تعالى، وأنها ليست من فعل البشر، فاعترفوا بالتوحيد والنبوة وكان إسلامهم حجة على فرعون فآمنوا، «فَغُلِبُوا هُنَالِكَ» أي: قهروا، يعني فرعون وملأه، عن أبي مسلم والأصم. وغلبهم موسى «هُنَالِكَ» يعني عند ذلك المجمع «وَانْقَلَبُوا» انصرفوا يعني فرعون وقومه «صَاغِرِينَ» أذلاء مقهورين يعني انصرفوا مقهورين عن