التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين 152 والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم 153 ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون 154}

صفحة 2731 - الجزء 4

  «وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ» أي: كما فعلنا بهم جزاء على فعلهم نجزي كل مفتر وكاذب، وإنما سموا مفترين؛ لأنهم عبدوا عجلاً وقالوا: إنه إله، وكانوا كاذبين، وقيل: أراد من عبد العجل، وقيل: هو عام في كل مفتر ومبتدع ضال «وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ» يعني المعاصي؛ لأن عاقبتها تسيء صاحبها، «ثُمَّ تَابُوا» أي: رجعوا إلى اللَّه نادمين «مِنْ بَعْدِهَا» أي: من بعد السيئات «وَآمَنُوا» صدقوا اللَّه ورسوله، وإنما ذكر الإيمان بعد التوبة وإن كانت التوبة إيمانًا، قيل: تابوا من المعصية، وآمنوا بتلك التوبة، وقيل: استأنفوا عمل الإيمان، وقيل: ثم آمنوا بأن اللَّه قابل التوبة «إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا» من بعد التوبة، وقيل: من بعد السيئات والأول الوجه «لَغَفُورٌ» يغفر الذنب «رَحِيمٌ» يرحمهم وينعم عليهم «وَلَمَّا سَكتَ» أي: سكن «عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ» قيل: زال غضبه لتوبتهم عن كفرهم وعبادة العجل، وقيل: زالت فورة غضبه، ولم يَزْلِ الغضب؛ لأن توبتهم لم تخلص، وقيل: زال غضبه لاعتذار هارون ومعرفته بصدقه، عن أبي مسلم. «أَخَذَ الألوَاحَ» التي كان فيها التوراة «وَفِي نُسْخَتِهَا» يعني ما نسخ فيها وكتب، عن أبي مسلم. وقيل: في نسختها التي نسخ منها بنو إسرائيل، عن الأصم. «هُدىً» دلالة وتبيانًا لما يحتاج إليه في أمور الدين «وَرَحْمَةٌ» يعني نعمة ومنفعة «لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ» أي: يخشون ربهم، فلا يعصونه، ويعملون بما فيها، وقيل: معناه أُنْزِلَتْ لأجل من يرهب ربه فهو ينتفع به، وإن كان منزلاً للكل، وقيل: وهدى ورحمة لمن هو راهب من ربه، فيعمل به وينتفع، وقيل: اللام لام العاقبة يعني أن الهدى والرحمة إنما تنال في العاقبة مَنْ يرهب ربه، فلا يعصيه.

  · الأحكام: تدل الآية على وعيد المُصِرِّ وغفران التائب.

  وتدل على أن الجاهل لا يعذر باستحقاق العقاب، كما لم يعذر مَنْ عبد العجل جهلاً.

  وتدل على أن العقوبة تنال كل مفترٍ على اللَّه، فيدخل فيه كل مبتدع.

  وتدل على أن التوراة هدى وهو بيان الأحكام، وخص من ترهب بأنه ينتفع به.