التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون 159 وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 160}

صفحة 2749 - الجزء 4

  اللَّه أن يفرق بينهم، ففتح اللَّه لهم نفقًا في الْأَرْضِ، فساروا سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين، فهم هنالك جميعًا مسلمون مستقبلون قبلتنا.

  وروي أن النبي ÷ رآهم ليلة المعراج، ودعاهم فآمنوا، وأقرأهم سورًا من القرآن، وأمرهم بالصلاة والزكاة، وأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت، ففعلوا.

  وروي أن ذا القرنين رآهم فسألهم من هم؟ فقالوا: نحن الَّذِينَ قال اللَّه تعالى: «ومن قوم موسى أمةٌ ...» الآية، فقال: لو أمرتُ بالمقام لسرني المقام بين أظهركم.

  «وَقَطَّعْنَاهُمُ» يعني بني إسرائيل، وفصلناهم «اثْنَتَي عَشْرَةَ أَسْبَاطًا» أي: فرقًا وجماعة، قيل: كانوا أولاد يعقوب من اثني عشر ابنًا، فتوالدوا وكثروا حتى صار كل سبط أممًا، فأمرهم اللَّه - تعالى - ألّا يمتزجوا؛ ليكون كل سبط على حدة لئلا يتباغضوا ولا يختلفوا، ويتميز مشربهم ومطعمهم فيستقيم أمرهم، وقيل: إنما فرقوا أسباطًا لاختلاف دينهم، وإنما أضاف التفريق إلى اللَّه - تعالى - لأنهم افترقوا بأمره، وقيل: فرق النبي بأمره، والكناية في قوله: «وقطعناهم» يعود إلى من كان من بني إسرائيل مع موسى وهارون في التيه، ولا ترجع إلى الأمة التي تقدم ذكرهم «وَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ» أي: طلبوا منه السقيا، فقلنا «اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ» قيل: كان للحجر أربعة أوجه، لكل وجه ثلاثة أعين، وكان يظهر على كل موضع من الحجر فيه ضربة مثل ثدي المرأة، فيعرق أولاً ثم يسيل «فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ» جرت؛ أي: فضرب، فانبجست أي: انفجرت بالماء، يعني خرج الماء من ذلك الحجر «اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ» أي: كل سبط مشربهم لا يدخل سبط على غيره ولا يشرب من عينه «مِنْهُ» من الحجر «اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ» قيل: اتفاقًا بينهم، وقيل: بأمر اللَّه، ذكر الوجهين الأصم «وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ» أي: جعلنا لهم ظلة، أي: سترة من الغمام تقيهم من الشمس وذلك في التيه «وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى» قيل: المن شيء حلو، والسلوى: طير يشبه السماني، عن أبي علي. وقيل: السلوى العسل، وقد بينا ذلك في سورة (البقرة) «كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ» قيل:

  من حلال ما أعطيناكم، وقيل: من ألذ ما أعطيناكم «وَمَا ظَلَمُونَا» أي: ما بخسوا حق.