التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون 165 فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين 166}

صفحة 2761 - الجزء 4

  وتدل على أنه أخذهم بعذاب بئيس، فلما لم يرجعوا أهلكهم، فلو كان ذلك خلقًا له لم يكن لذلك معنى.

  ومتى قالوا: قوله: «نسوا» يدل على أنه يأخذهم بالنسيان، وهو فعله.

  فجوابنا قد بينا معناه، وأنه إما أن يكون المراد به الترك أو التعرض للنسيان؛ لأن الأخذ بما هو فعل اللَّه - تعالى - قبيح، فلا يجوز عليه.

  القصة

  قيل: كانت هذه القصة زمن داود #، وعن ابن عباس: أمروا بالجمعة، فتركوا وأحبوا السبت فَابْتُلُوا به، ونُهُوا عن الصيد يوم السبت فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت، فمكثوا كذلك ما شاء اللَّه لا يصيدون، ثم أتاهم الشيطان، وقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض والشبكات يوم الجمعة حتى تدخلها الحيتان، ثم خُذُوها يوم الأحد. وعن الحسن: أخذوا يوم السبت.

  وعن ابن زيد: كانت يوم السبت تأتيهم وفي غيره لا تأتيهم، فأخذ رجل حوتًا، وربط على ذنبه خيطًا وشده إلى الساحل، ثم أخذه يوم الأحد، وشواه، فلاموه على ذلك، فلما لم يأته العذاب أخذوا وأكلوا وباعوا، وكانوا نحوًا من اثني عشر ألفًا، فصار الناس ثلاث فرق: نهى بعضهم، وعصى بعضهم، وأمسك بعضهم، فنهوا فلم ينتهوا، فقالوا: لا نساكنهم، واعتزلوا، وقسموا القرية، ولعنهم داود، فأصبحوا يومًا ولم يخرج من العاصين أحد، فعلوا الجدر، ونظروا فإذا هم قردة، ففتحوا الباب ودخلوها، وكانت القردة تعرفهم، فجعلت تبكي، فإذا قيل: ألم ننهكم، فتومئ برأسها نعم.

  وقيل: هلكوا بعد ثلاثة أيام، وقيل: بعد سبعة أيام، وقيل: سلط اللَّه عليهم سيلاً، فهلكوا به.