التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون 171}

صفحة 2771 - الجزء 4

  اهتز؛ فلذلك لا نرى يهوديًّا يقرأ التوراة إلا ويهتز، ويحرك رأسه. وروي نحوه عن ابن عباس. «كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ» قيل: كان رفعه تخويفًا، عن أبي علي. وقيل: كان نعمة تدعوهم إلى الطاعة فخافوا ذلك، فجعل ظله يقيهم الحر والبرد، عن أبي مسلم. «وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ» قيل: علموا أنه واقع بهم إن لم يفعلوا ما أمروا به، عن الحسن. وقيل: قوى في نفوسهم أنه واقع لمخالفتهم «خُذُوا» قيل: هذا ابتداء كلام وليس لرفع الجبل، عن أبي مسلم، قال: وذلك نعمة عطف بها على سائر نعمه، وقيل: فيه حذف، تقديره: [وقيل لهم]: خذوا «مَا آتَيْنَاكُمْ» أعطيناكم التوراة وأحكامها «بِقُوَّةٍ» قيل: بجد واجتهاد، فقالوا: نأخذها بقوة، ثم نكثوا العهد، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد. «وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ» من الأحكام «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» أي: افعلوا ذلك متعرضين للتقوى، وقيل: لكي تتقوا مخالفة أمر اللَّه وعذابه.

  · الأحكام: ظاهر الآية يدل على أنه رفع الجبل فوقهم، وخَوَّفَهُمْ سقوطه عليهم إن لم يقبلوا ما أمروا به.

  ومتى قيل: كيف يجوز والحال هذه بقاء التكليف، والحال حال الإلجاء؟

  قلنا: ليس فيه إلجاء، وهو بمنزلة عرض القتل على المرتد، ولأنهم ظنوا وقوعه، والأولى أن يقال: إنه رفعه فوقهم نعمة وظلة، كما قال أبو مسلم، ثم خوفهم بوقوعه، فلا يكون إلجاء كما يخَوَّف بسائر العقوبات.

  ويدل قوله: «بقوة» على أن فيهم قوة الأخذ، فدل على أن الاستطاعة قبل الفعل، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  وتدل على أن الأخذ والترك فِعْلُهُم، فيبطل قولهم في المخلوق.

  ويدل قوله: «لعلكم تتقون» أنه أراد من الجميع التقوى، فيبطل قولهم في الإرادة والمخلوق.