التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين 172 أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون 173 وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون 174}

صفحة 2773 - الجزء 4

  «ذرياتهم»؛ لأنه مفعول (أخذ)، فيكسر في الجمع، وينصب في الواحد. «أو تقولوا» محله نصب عطفًا على «تقولوا» فنصبه ب (أنْ). «وكذلك» الكاف كاف التشبيه، و (ذلك) يقتضي بيانًا بعد بيان.

  · النظم: ويقال: كيف اتصال الآية بما قبلها؟ وكيف تقديرها؟

  قلنا: قيل: إنها تتصل بدلائل التوحيد المذكورة قبل قصص الأنبياء، وهو قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ}، وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ} كأنه ذكر التوحيد ودل عليه، ثم اختص خبر الأنبياء، ثم عاد إلى بيان أدلة التوحيد وذم الشرك.

  وقيل: يتصل بما قبله من أخذ الميثاق على بني إسرائيل بأن يعملوا بالتوراة، ثم عقبه بأخذ الميثاق على جميع بني آدم.

  وقد قدروا نظم الآية على وجوه أقربها أن تقديرها: وإذا أخذ ربكم من ظهور بني آدم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم وقد أريتكم في ذريتكم وأنتم بمنزلتهم في الإخراج من صلب الآباء؟ فقالوا: بلى، شهدنا قيل: فلا تقولوا: كنا غافلين عن هذا، أو تقولوا على تقليد الآباء.

  · المعنى: اختلف المفسرون في معنى هذه الآية، وفي هذا الإخراج والإشهاد، وروى بعضهم فيها حديثًا لا يصح عن رسول اللَّه ÷ ولا هو من الظاهر نقلاً حتى تعلقت بها أهل التناسخ وجماعة من الملحدة، ونحن نبين ذلك، ونميز بين الصحيح والفاسد.

  فقال جماعة من المفسرين: إن اللَّه - تعالى - أخرج الذرية، وهم الأولاد من أصلاب آبائهم، وذلك الإخراج أنهم كانوا نطفة، فأخرجت إلى رحم الأمهات وجعلها علقة، ثم مضغة حتى أنشأها بشرًا سويًا حيًا مكلفًا، فجعل خلقه إياهم لذلك إخراجًا