قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين 172 أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون 173 وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون 174}
  من أصلابهم؛ لأن أصلهم خرج منها، ثم أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته، وعجائب خلقته، وغرائب صنعته من أعضاء سوية، وحواس مدركة، وجوارح ظاهرة وباطنة، وأعصاب، وعروق، وغير ذلك مما يعلمه من تفكر فيه، فلما ركب ذلك فيهم وكلها تدل عليه وعلى صفاته ووحدانيته، فبالإشهاد بالأدلة صار كأنه أشهدهم بقوله، وقال: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»، وهم بما ظهر عليهم من آثار الصنعة، صار كأنهم قالوا: بلى، وإن لم يكن هناك قول باللسان فبالبيان، ولذلك نظائر، قال تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ومعلوم أنه لم يكن ثَمَّ قولٌ، ولكن لما انصرف كما بينا كان ذلك بمنزلة قولها: أطعنا، وقال الشاعر:
  امْتَلأ الحَوْضُ وقَالَ قَطْنِي ... مَهْلا رويدًا قد مَلأْتَ بَطْني
  أي: امتلأ الحوض وظهر من امتلائه ألا يسع فيه شيئا، وكأنه قال: قطني.
  وقال آخر:
  فَقَالَتْ لَهُ الْعَيْنَانِ سَمْعًا وَطَاعَةً ... وحَدَّرَتا كالدُّرِ لَمَّا يُثَقَّبِ
  يعني: أراد البكاء فبكت، فصار كأنهما قالتا: أطعنا.
  وقال اللَّه تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ٣٠}.
  وقال بعض الحكماء: سل الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وأينع ثمارك، فإن لم تجبك حوارًا أجابتك اعتبارًا.
  وعلى هذا أكثر كلام العرب وأشعارهم، سألت الأطلال والديار فقالت كذا