قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين 175 ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون 176 ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون 177 من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون 178}
  المفسرين فيه، ويجوز أن يكون كما قالوه، وذكروا أن قصة بلعام كان زمن موسى، وهذا أيضًا جائز.
  وقيل: كان زمن يوشع بن نون، فإنه لما انقضت أيام التيه بعث اللَّه يوشع، فدعا إلى قتال الجبارين، وكان قصة بلعم. واللَّه أعلم.
  قالوا: وكان بلعم يعلم اسم اللَّه الأعظم، وكان إذا دعا أجيب، فلما دعي إلى قتال الجبارين كفر بلعم، وأتى الجبارين، وقال: لا ترهبوا فإني أدعو عليهم فيهلكون، عن السدي. وقد كان يلهث لهث الكلب، عن السدي، وهذا أيضًا لا مانع منه.
  وقيل: لما قصد موسى الجبارين جاؤوا إليه ليدعو اللَّه فأبى، فأعطوه مالاً فذكر اللَّه ودعا، وهذا أيضًا غير بعيد.
  قالوا في الروايتين: فدعا بلعم على موسى فوقع موسى في التيه ومنع من الوصول إلى الجبارين، فقال موسى: يا رب لأي شيء أوقعتنا في التيه؟ فقال: بدعاء بلعم، فقال: اللَّهم اسلب عنه الإيمان، فسلب إيمانه. وهذا باطل لأنه - تعالى - أمر موسى بالقتال ودخول مدينة الجبارين، فلا يمنعه منه ولا يسمع عليه دعاء كافر، ولأن من دعا على بني إسرائيل كفر، ولا يجوز أن يقع التيه بسببه، وقد ذكر اللَّه في سبب التيه غير ذلك على ما قصه في كتابه، وبعد فلا يجوز على نبي اللَّه أن يسأل اللَّه سلب إيمان أحدٍ؛ لأن الرضا بالكفر كفر، فكيف يجوز على نبي دعاء ذلك؟
  ورووا في بعض الروايات أنه لما كفر قال: لا أجاب ولكن أحتال، ثم أرسل نساء الكنعانيين إلى بني إسرائيل فكثر فيهم الزنا فوقعت فيهم، وهلك في ساعة سبعون ألفًا، وكان ذلك سببًا للتيه، وقد ذكر اللَّه - تعالى - سبب التيه، ولم يذكر ما قالوا، وليس في ظاهر هذه الآية إلا أنه آتاه الآيات فانسلخ منها، فإذا لم يدل عليها الظاهر، ولا روي من وجه صحيح، فلا وجه لقبوله.