قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون 179 ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون 180 وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون 181}
  وقد جاوزوا هذا، فقال شاعرهم:
  لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَاديْتَ حَيًّا ... ولكنْ لا حياةَ لِمَنْ تُنادِي
  وقد نطق القرآن بمثل ذلك في قوله: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} فشبههم من حيث لا يتفكرون فيما يرون بأبصارهم من الحجج ويسمعون بآذانهم من الأمثال والعبر، ولا يعلمون الحق صاروا كأنهم لا يفقهون، ولا يبصرون، ولا يسمعون «أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ» قيل: في أنه لا يهتدي، وقيل: في أن [همتها] المأكل والمشرب والفساد، وقيل: أحلوا أنفسهم محل الأنعام حيث لا يشكرون ولا يعملون، وقيل: لأنها لا تهتدي إلى منافع نفسها وهَؤُلَاءِ لا يهتدون إلى منافع أنفسهم، عن أبي علي. «بَلْ هُمْ أَضَلُّ» (بل): إضراب عن الأول ورجوع، يعني هم أضل، يعني هم كالأنعام وهم أضل منهم يعني الكفار، وقيل: لأنها لا تتمكن من المعرفة والنظر ولم تكلف بخلاف الكفار، وقيل: لأن جهلهم وإعراضهم لا يورث عقابًا بخلاف الكفار، عن أبي علي. وقيل: لأنهم لم يعطوا آلة الهدى ولا يقدروا على اختلاق نفع الآخرة بخلاف هَؤُلَاءِ، وقيل: لأنهم يعملون ما خلقوا له، وهَؤُلَاءِ لا يعملون ما خلقوا له وهو العبادة، وقيل: لأنها تَقَرُّ أبدًا إلى صاحبها ومدبرها والكافر يهرب ويعرض عنه، وقيل: لأنها لا تعصي اللَّه بخلاف الكافر، وقيل: لأنها تضل إذا لم يكن لها مرشد وهَؤُلَاءِ يضلون ومعهم مرشد يدعوهم إلى الحق، عن الأصم. «أُولَئِكَ هُمُ الْغافلُونَ» عن الآيات.
  «وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى» يعني الأسماء التي تفيد المدح وذلك على أضرب:
  منها: صفة ذاتٍ أو ما يرجع إليها كالعالم، وقادر، وحي، وإله، وقديم، وسميع، وبصير.
  ومنها: صفة فعل، كخالق، ورازق، ومبدع، ومحيي، ومميت.