التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين 184 أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون 185 من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون 186}

صفحة 2798 - الجزء 4

  · المعنى: لما تقدم ذكر المكذبين بيّن في هذه الآية وجوب النظر والتفكر في الآيات ليعلموا الحق فلا يكذبوا به، فقال سبحانه: «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا» أي: هلا تدبروا في حال النبي ÷ ليعلموا «مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ» يعنني ما برسول اللَّه ÷ جنون «إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ» أي: ما هو إلا مُخَوِّفٌ ظاهرُ مظْهِر لذلك «أَوَلَمْ يَنْظُرُوا» أي: هلا نظروا «فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» أي: ملكه وآياته ليعلموا أن مَنْ قَدَرَ على ذلك من عجائب صنعه قدر على البعث «وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيءٍ» أي: هلا تدبروا فيما خلق اللَّه ليصلوا إلى المعرفة به وبوحدانيته وأنه لا يظهر المعجز إلا على صادق فيعلم أن رسول اللَّه صادق، وقيل: ما خلق اللَّه من شيء يعني: معجزاته، فكما أن الملكوت يدل على توحيده فالمعجزة تدل على نبوة نبيه «وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ» أي: هلا تذكروا لعل أجلهم قريب، وهم لا يعلمون، وفيه إشارة [إلي أشياء]:

  أحدها: وجوب التفكر في حال التفكر في حال نفسه، وأن الموت يأتيه.

  وثانيها: أن الأنفاس محصورة يجوز قطعها عند كل طرفة عين فتعظم حسرته على ما فرط.

  وثالثها: كتمان الأجل؛ ليكون في جميع أوقاته على حذر.

  «فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ» أي: بعد القرآن «يُؤْمِنُونَ» يصدقون، قيل: معناه لا حديث بيّنٌ بعد القرآن، فإذا لم يؤمنوا به فبأي حديث يؤمنون، وقيل: إذا لم يؤمنوا به مع ظهور أمره وكونه معجزة فبأي شيء يؤمنون «مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ» قيل: من يحكم اللَّه بضلاله بعد هذا البيان، فلا أحد يحكم بهدايته، وقيل: من وجده ضَالاً بعد هذه الأدلة. لم يهده أحد، عن أبي مسلم. وقيل: ومن يضلله عن طريق الجنة لا يهديه إليه أحد، عن أبي علي. «وَيَذَرُهُمْ» يتركهم «فِي طُغيانِهِمْ» كفرهم وعصيانهم «يَعْمَهُونَ» قيل: يتحيرون، والعمه في القلب: كالعمى في العين.