التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين 189 فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون 190 أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون 191 ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون 192}

صفحة 2808 - الجزء 4

  وقيل: في اليهود والنصارى الَّذِينَ جعلوا لله شركاء، عن الحسن.

  · النظم: يقال: كيف تتصل الآية - وفيه ذكر آدم - بما قبلها؟

  قلنا: قيل: لما تقدم ذكر اللَّه - تعالى - والدعاء إلى عبادته في قوله: «إلا ما شاء اللَّهُ» وقوله: «عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي» عقبه بذكر ما يدل على وحدانيته وذم ما أُشْرِكَ في خلقه.

  وقيل: لما تقدم قوله: «إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ» عقبه ببيان صفة من يدعو إليه، وذكر دلالته.

  ويقال: كيف تقدير الآية ونظمها والكنايات فيها؟ والضميران إلى من يرجع؟

  قلنا: اختلفْ المفسرون في ذلك، فقال أبو علي: الكنايات كلها عن آدم وحواء التي في قوله: «جَعَلَا» و «يُشْرِكُونَ» فإنهما يرجعان إلى غير آدم وحواء، وتقدير الآية: «هو» يعني اللَّه - تعالى - «خلقكم من نفس واحدة» وهو آدم # «وجعل منها زوجها» أي: خلق زوجها وهي حواء منها أي: من نفس آدم «لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا» وطئها «حملت» يعني حواء «حملاً خفيفًا فمرت به» كذلك «فلما أثقلت» الحمل «دَعَوَا» يعني «اللَّهَ رَبَّهُما لئِنْ آتَيتَنَا صَالِحًا» أي: ولدًا بشرًا سويًا «لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» لذلك «فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا» يعني غلامًا وجارية؛ لأن حواء كانت تلد في كل بطن اثنين غلامًا وجارية، وقيل: إنها ولدت في خمسمائة بطن ألف ولد «جَعَلا» يعني هذين الولدين الموصوفين بقوله: «صَالِحًا»، «لَهُ شُرَكَاءَ» فالمشرك مضاف إلى ولد آدم وحواء، لا إليهما، والكناية عنهما يعني الولدين، وجعلا شركاء أضافا الخلق والنعم إلى غير اللَّه من وثن أو صنم ونحوه، فتعالى اللَّه عما يشركون.

  وقال بعضهم مثل ذلك إلا أنهم قالوا: قوله: «جَعَلَا» يرجع إلى نسلهما