التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين 189 فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون 190 أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون 191 ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون 192}

صفحة 2810 - الجزء 4

  كقوله تعالى: {فَسَلِّمُوْا عَلَى أَنفُسِكم} أي: ليسلم بعضكم على بعض، فلما تغشى الزوج زوجته وحملت دعوا اللَّه، فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء، يبين ذلك قوله: «فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ».

  وقال بعضهم: الكناية عن آدم وحواء إلى قوله: «جَعَلَا» ثم بعده كناية عن أولادهما، فحذف الأولاد وأقامهما مقام الأولاد، ويجوز حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كقوله: {وَاسْألِ الْقَرْيَةَ} أي أهل القرية، وكقوله لليهود: {اتَّخَذتُمُ العِجْلَ} و {قَتَلْتُمْ نَفسًا} يعني أسلافهم عن بعض أهل المعاني.

  وقيل: المراد به اليهود والنصارى رزقهم اللَّه أولادًا فَهَوَّدُوهم ونصروهم، عن الحسن.

  وقيل: قوله: «جَعَلا» أي أَجَعَلاَ بمعنى لم يجعلا، فأنتم ثَمَّ جعلتم، وحذف ألف الاستفهام كثير، قال الشاعر:

  بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِي

  أي: أَبِسْبْعٍ.

  وقيل: على قراءة من قرأ «شِرْكُا» في السؤال أي: نفيًا لاستثناء آخر غير ذلك.

  فأما ما يرويه الحشو أن الآية إلى آخرها في آدم وحواء وأنها لما حملت جاءها إبليس فعند ذلك قال لها: إن شئت أن يعيش ولدك فسميه عبد الحارث، والحارث اسم إبليس، فسماه بذلك فعاش ولدها، وقيل: بل سمي عبد اللَّه، وقال إبليس: أتظنان أنه يترك عبده عندكما؟ سمياه عبد الحارث.