التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون 193 إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين 194 ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون 195}

صفحة 2815 - الجزء 4

  أبي مسلم. واختلفوا في المدعو، فقيل: إن تدعوا المشركين الَّذِينَ صبؤوا بالكفر، عن الحسن. وقيل: إن تدعوا الأصنام التي عبدوها، عن أبي علي وجماعة. «إِلَى الْهُدَى» إلى الدين الحق، وقيل: إلى المنافع والرشد، عن أبي علي. «لَا يَتَّبِعُوكُمْ» يعني: لا يجيبوكم إلى ما تدعونهم إليه من الهدى لِمَا ألفوا من الكفر، لأنها جماد ليس بأحياء ولا عقلاء، والمانع من اتباع الحق أمور كثيرة جملتها الهوى والشبهة وتقليد رؤساء الضلالة «سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ» يعني سواء عليكم الدعاء والسكوت في أنهم لا يجيبون «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» يعني الَّذِينَ تسمونهم آلهة من الأصنام «عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ» ثم لا تنتفعون بها، ثم احتج عليهم وقال: إن الَّذِينَ تدعون من دون اللَّه سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون، عن الأصم. وقيل: المراد به الأوثان يعني أنها عباد سميت، مملوكة لله - تعالى، عن أبي علي وأبي مسلم. يعني ثم تعبدون من هم مثلكم مملوك، وقيل: لأنهم توهموا أنها تضر وتنفع، وقيل: ليس تخرج من أن تكون مخلوقة لله، وقيل: مخلوقة أمثالكم، عن الحسن، يعني أشباهكم فَلِمَ تعبدوهم، وقيل: إنه استفهام أي: عباد أمثالكم يعني أنتم خير من هَؤُلَاءِ الأصنام؛ إذ لا عقل لها، ولا تسمع، ولا تبصر، فلأي وجه تعبدونهم «فَادْعُوهُمْ» في طلب المنافع وكشف المضار «فَلْيَسْتَجِيبُوا» أي: فليستجيبوا دعاءكم «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» أنها آلهة، وذلك تقريع وتوبيخ وإشارة إلى أنهم لا يسمعون ولا يجيبون داعيًا، فكيف بلغوا بهم منزلة الربوبية، وهم دون المخلوقين «أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا» يعني ليس لهم هذه الحواس، ولكم هذه الحواس، فأنتم أفضل منهم، فلم عبدتموهم؟، عن أبي علي. وقيل: إنهم عبدوا جسمًا صفته ما ذكر، ولا شبهة في الإياس من نفعه وضره فبطلانه ظاهر وعبادته سخف، وقيل: إنه بيّن أن عبادة جسم يقدر على النفع والضر، ويسمع ويبصر قبيح، فكيف من هذه صفته؟.