التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون 5 يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون 6 وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين 7 ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون 8}

صفحة 2850 - الجزء 4

  فجوابنا: جميع ذلك دخل تحت قوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وإنما أعاد ذكر الصلاة والإنفاق تعظيمًا لشأنهما، وتفخيمًا لأمرهما، عن القاضي.

  وقيل: إن الرجل إنما يكون ممدوحًا إذا ترك الكبائر، فمن هذا الوجه يتناول العبادات أجمع، وذكر شيخنا أبو حامد أن المذكور تنبيهًا على غير المذكور؛ لأنه لا فاصل في الآية.

  وتدل على أن المؤمن هو المستحق للثواب؛ لأن قوله: «حَقًّا» من يستحق الثواب على الحقيقة.

  وتدل على أن تارك الصلاة والزكاة لا يكون مؤمنًا، خلاف قول المرجئة.

  ومتى قيل: هل يجوز أن نقول: أنا مؤمن، أو هو مؤمن حقًّا؟

  فجوابنا: يجوز أن نصف به من حيث الظاهر غيرنا، فأما من حيث الحقيقة فلا [تطلق] على أحد، إلا أن يرد خبر اللَّه - تعالى - وخبر رسوله، فأما إذا أخبر عن نفسه فمنهم من قال: يجوز أن يقطع ويقول: أنا مؤمن حقًّا، ومنهم من قال: لا يجوز إلا أن يقول: إن شاء اللَّه؛ لأنه قد لا يحبط عمله، لأنه قد أدى ما كلف [وبانَ لهم أمرُه فعلم، فجاز إطلاقه].

قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ٥ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ٦ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ٧ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ٨}