التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام 11 إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان 12 ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب 13 ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار 14}

صفحة 2871 - الجزء 4

  (فصل)

  قيل: لما نزلوا ببدر، وكانت الليلة التي صبيحتها يوم بدر القتال، وكان المؤمنون مرعوبين؛ لقلة عددهم وعدتهم، وكثرة عدد العدو وشوكتهم، وكانوا على كثيب رمل، لا تثبت عليه الأقدام، فأنزل اللَّه تعالى البشارة بإمداد الملائكة، وأنزل المطر، وألقى عليهم النوم فأمنوا، وألقى في قلوب الكفار الرعب، فلما أصبحوا نزلت الملائكة، وكان الفتح.

  وعن أبي رافع مولى العباس قال: دخل أهل بيت العباس الإسلام، وأسلمت أم الفضل، والعباس يهاب قومه ويكتم إيمانه، وذهب إلى بدر موافقة لهم، وتخلف أبو لهب عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام، وجاء الخبر عن مصارع القوم، فسررنا بذلك، وجاء أبو لهب يجر ذيله حتى جلس، وقيل: هذا أبو سفيان بن حرب قد أقبل، وقال أبو لهب: هلم يا بن أخي، أخبرني كيف كان الأمر؟ قال: لا شيء واللَّه، إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا، لقينا رجالاً بيضًا على خيل بُلْقٍ بين السماء والأرض، لا يفوتهم شيء، قال أبو رافع: فقلت: تلكم الملائكة، فضرب أبو لهب بيده وجهي وضربته أم الفضل، وقام ذليلاً، فما عانى إلا سبع ليال حتى مات، وأسر أبو البشر العباس، وكان رجلاً جسيمًا، وقال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته، صفته كذا، فقال ÷: «أعانك عليه ملك كريم».