قوله تعالى: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام 11 إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان 12 ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب 13 ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار 14}
  وَمتى قيل: فما مدى هذا الأمر؟
  قلنا: قيل: لما أمر الملائكة بالقتال، ولم تَعْلَم كيفية الضرب علَّمهم ضرب الرؤوس والأيدي. وقيل: خص هذين العضوين؛ لأنه يبطل تصرفهم، عن أبي علي.
  [وقد روى جماعة] أن الملائكة قاتلتهم وقتلت يومئذ منهم، عن ابن عباس وسهل بن حنيف وأكثر أهل العلم. وقيل: أراد حاصروهم واقتلوهم، ولا ترحموهم، عن الأصم، وليس بالوجه لم خالفته للظاهر «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» يعني هَؤُلَاءِ الكفار إنما فُعِلَ بهم ذلك؛ لأنهم خالفوا اللَّه فيما أمرهم به، وخالفوا رسوله فيما شرع لهم، وقيل: شاقوا أولياء اللَّه كقوله: {يُؤذُونَ اللَّهَ} أي: أولياءه. «وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ» بأن يعصيه ويخالف أمره - «فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» في الدنيا بالإهلاك، وفي الآخرة بالتخليد في النار «ذَلِكُمْ» يعني هذا العذاب الذي عجله لكم أيها المشركون بالقتل والخزي والذم والخذلان؛ جزاء لكم في فعلكم «فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ» في القيامة «عَذَابَ النَّارِ».
  · الأحكام: تدل الآية على أنه - تعالى - أنعم على رسوله وعلى المؤمنين بضروب من النعم كما عدها عليهم. ويدل قوله: «ذلكم» أن هذا القتل كالمستحق على كفرهم، واختلف مشايخنا، فقيل: كان نصر المؤمنين ثوابًا لهم، عن أبي علي. وقيل: كانت فضلاً وثوابًا، عن القاضي. وقيل: بل كان مصلحة ولُطفًا، فأما ما فعل بالكفار من الرعب والخذلان فالأكثر على أنه عقوبة، ويحتمل أنه كان لطفًا واستصلاحًا. وتدل على أن مخالفة الرسول مخالفة لله تعالى، وتدل على أن العقوبة تستحق على العمل لذلك قال: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ». وتدل على أن المشاقة فعلهم، فيبطل قول الْمُجْبِرَة في المخلوق وجزاء الأعمال.