قوله تعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون 36 ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون 37}
  · المعنى: ثم حكى - تعالى - عن الكفار الَّذِينَ تقدم ذكرهم إنفاقهم في الكفر، وما صار من ذلك عليهم، فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ» قيل: في أُحُدٍ، وقيل: في بدرٍ، وقيل: ما أنفقوا من أموالهم الخبيثة في معصية اللَّه «لِيَصُدُّوا» ويمنعوا ويصرفوا الناس «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» دين اللَّه الذي جاء به محمد، وسمي سبيلاً؛ لأنه طريق ثوابه وجنته، «فَسَيُنْفِقُونَهَا» وإنما ذكر الإنفاق ثانيًا لأن الأول معناه من شأنهم أن ينفقوا للصد، والثاني بمعنى سيقع الإنفاق الذي يكون عليه الحسرة «ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً» وقيل: لأنه يجعل في جهنم كيًّا عليهم فتشتد حسرتهم، وقيل: لأنه ستذهب أموالهم ولا يظفرون بما يأملون من إطفاء نور اللَّه «ثُمَّ يُغْلَبُونَ» يعني يغلبهم المؤمنون، فوجد الخبر على ما أخبر، «وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» أي: يجمعون إلى النار بعد تحسرهم في الدنيا ووقوع الظفر بهم وقتلهم، وإنما أعاد قوله: «والَّذِينَ كفروا»؛ لأن جماعة ممن أنفقوا أسلموا، فخص من مات على كفره بوعيد الآخرة، «لِيَمِيزَ اللَّهُ» قيل: يميز في الدنيا بالغلبة والنصر للمؤمنين والأسماء الحسنة والأحكام المخصوصة في الآخرة بالثواب والجنة، عن أبي مسلم، وقيل: بالحشر إلى جهنم، وقيل: بالعلامات التي أظهرها الله في القيامة كسواد الوجوه، وبياضها، وغير ذلك «الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» قيل: المؤمن من الكافر؛ لأن المؤمن يدخل الجنة والكافر يدخل النار، وقيل: العمل الطيب من العمل الخبيث، عن الكلبي. ويثيب على الأعمال الصالحة، ويعاقب على الأعمال السيئة، وقيل: الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان من الإنفاق الطيب في سبيل اللَّه، عن ابن زيد. «وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ» قيل: الكفار يجمعهم جميعًا في جهنم، عن أبي علي.