التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم 42}

صفحة 2946 - الجزء 4

  كان في علمه مفعولاً لا محالة من إظهار الإسلام «كَانَ مَفْعُولًا» قيل: صار مفعولاً؛ لأنه لا يخلف وعده، وقيل: واجب فعله «لِيَهْلِكَ» يعني فعل ذلك ليهلك، فاللام لام التعليل ويرجع على اللام في قوله: «لِيَقْضِيَ» تقديره: ليقضي وليهلك، ومعناه: فعل ذلك معجزة لرسول اللَّه ÷ ونصرة لأوليائه «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ» أي بعد إقامة الحجة. «وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ» عن حجة أي: عن علم، وقيل: بينه بما رآه يوم بدر، وقيل: يحيا من حيّ بقول: لا إله إلا اللَّه، وقيل: أراد بالهلاك الموت وبالحياة حياة النفس، وقيل: بالهلاك الضلال، وبالحياة حياة الدين توسعًا، وقيل: ليهلك الكافر فيدخل النار، وقدْ قامت الحجة عليه، ويحيا المؤمن بحياة الدنيا والشهادة بعدم قيام الحجة، عن أبي مسلم. «وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ» سميع لأقوالهم، عليم بما في ضمائرهم، يجازيهم بحسب ما يكون لهم منهم.

  · الأحكام: تدل الآية على تذكر نعمه ونصره للمؤمنين؛ إذ كانوا في قلة، وموضع رمل، والكافرون على قرار صلب، مع كثرة العدد، وتدل أن ذلك الظفر كان بنصر اللَّه، وتدل أنهم اجتمعوا على غير ميعاد، وتدل أنه نصرهم لإمضاء موعود.

  ومتى قيل: كيف يقضي قتال الكفار مع قبحه؟

  فجوابنا: أراد نصر المؤمنين والمعونة لهم دون فعل الكفار.

  وتدل على تمام حجة اللَّه ووجوب النظر والتفكر، وأن الهالك هلك بعد إقامة الحجة عليه.

  وتدل على أن ما فعله - تعالى - يوم بدر كان لطفًا للمسلمين.