التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم 42}

صفحة 2945 - الجزء 4

  المشركين، وهمِ أصحاب النفير «بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى» أي: بالشفير الأقصى من المدينة «وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ» يعني أبا سفيان وأصحابه في العير في موضع «أَسْفَلَ مِنْكُمْ» أي إلى ساحل البحر، في معنى قول الحسن وقتادة وابن إسحاق ومجاهد والسدي، وذلك أنهم نزلوا هكذا فالمسلمون على الوادي والمشركون بأسفله وأبو سفيان والعير على الساحل حتى قدم مكة، فذكر اللَّه تعالى تقارب الفئتين من غير ميعاد، وما كان فيه من قلة الماء ورمل تسوخ فيه الأقدام، ومع قلة العدد وآلة الحرب بحيث لا مطمع لهم في قتالهم من تلقائهم، وأعداؤهم على الماء في غير رمل مع كثرة العدد والعدة والعير أسفل منهم فيها أموالهم، مع هذا نصرهم عليهم؛ ليعلموا أن النصر من عند اللَّه، وقيل: خرج المسلمون لطلب العير، وخرج المشركون لمنع العير، فالتقوا من غير ميعاد، وقيل: نزل ذلك المنزل بالوحي ولو تواعدوا لما نزلوا ذلك، فذكر أن ذلك كان أصلح لهم، عن أبي علي. «وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ» وقيل: لو تواعدتم الحرب، ثم بلغكم كثرة عددهم مع قلة عددكم لتأخرتم ولنقضتم الميعاد، عن ابن إسحاق. وقيل: لو تواعدتم من غير لطف اللَّه لاختلفتم بالعوائق والقواطع «وَلَكِنْ» قيل: جمعكم على غير ميعاد «لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا» قيل: ليمضي ما أراد من إعزاز دينه، ونصرة أوليائه، وهلاك المشركين، بَيَّنَ أن ذلك لم يكن بقوتهم، ولكن بلطف اللَّه ونصره، وقيل: ليدبر «أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا» كائنًا واجبًا فعله، وهو نصرة النبي ÷ كقوله: {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} عن أبي مسلم. وقيل: ليتم أمرًا سبق وعده به، أو ليتم أمرًا