قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون 45 وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين 46 ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط 47}
  قلنا: موضعه نصب، والعامل فيه الفاء التي هي بدل من (أن) على معني جواب النهي كقولك: لا تأت زيدًا فَيُهِينَك؛ ولذلك عطف عليه بالنصب في قوله «وتذهب». وقوله: «وَيَصُدُّونَ» محله نصب، وهو عطف على قوله: «بَطَرًا وَرِئَاءَ» ومعناه: ويبطرون ويراؤون ويصدون؛ إذ لا يعطف مستقبل على ماض، وقيل: {بَطَرًا وَرِئَاءَ} نصب على الحال.
  · النزول: قيل: نزلت الآية في أهل مكة، خرجوا يوم بدر، ولهم فخر وخيلاء، فقال ÷: «اللَّهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحاد رسولك» فلما رأى أبو سفيان أنه أحرز ما له أرسل إلى قريش ليرجعوا فأتاهم الرسول بالجحفة، فقال أبو جهل: لا نرجع حتى نرد بدرًا - وكان موسمًا للعرب - فننحر الجزور، ونُسْقي الخمور، وتعزف علينا القيان، ويسمع بِنَا العرب، عن ابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير وابن إسحاق وغيرهم. ثم وردوا بدرًا فَسُقوا بكؤوس المنايا، وناحت عليهم النوائح، ونهى اللَّه المؤمِنِينَ أن يكونوا مثلهم.
  · المعنى: ثم أمر اللَّه - تعالى - بقتال الكفار، والثبات في الحرب، وترك الخيلاء، قال القاضي: وإنما أكد ذلك؛ لأنه - تعالى - لما وصف عظيم نعمه يوم بدر ونصره، وكان من الجائز أن يتكلوا في الجهاد على مثل ذلك، فأنزل هذه الآية، وشدد في ترك الاتكال على مثل ما شاهدوه؛ لأن المصالح تختلف، فقال اللَّه تعالى: «يَاأَيُّهَا