التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب 48}

صفحة 2959 - الجزء 4

  وأما أن يقال غيَّر صورة نفسه فمحال وذلك كفر؛ لأن المصور ومغير الصورة هو اللَّه - تعالى - فقط.

  «وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ» لكثرة عددكم وكمال عدتكم وقلة عدد المسلمين وعدتهم، ولأنكم أهل الحرم، فينصركم اللَّه عليهم «وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ» قيل: مجير لكم من كنانة، عن أبي [علي وجماعة]. وقيل: [إني] جار لكم من محمد وأصحابه، حكاه الأصم ولم يرضه. وقيل: أوهم أن اللَّه ألقى في قلوبهم أنه يجيرهم، عن الأصم. «فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ» التقى الجمعان بحيث رأى بعضهم بعضًا للقتال، ورأى إبليس الملائكة تنزل من السماء علم أنه لا طاقة لهم بهم وصار وَعْدُه غرورًا «نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ» قيل: رجع إلى ورائه يمشي القهقرى، وقيل: ولى مدبرًا على قفاه هاربًا، عن الضحاك. وقيل: رجع من حيث جاء، عن أبي علي وقطرب وأبان بن تغلب، وقال أبي علي: «وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ» على جهة الخذلان لهم وإسلامهم للهلاك «إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَونَ» يعني نزول الملائكة بالنصر للمسلمين، عن أبي علي. وقيل: رأى جبريل معتجرًا [ببردٍ يمشي] بين يدي رسول اللَّه ÷ في يده اللجام يقود فرسه، عن الحسن. وقيل: رأى جبريل معه الملائكة تنزل من السماء «إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ» قيل: لم يخف عذاب الآخرة، ولكن خاف أن يناله مكروه في ذلك اليوم، عن أبي علي. وقيل: أخاف أن تكون الملائكة [أُمرتْ بعقابي]، عن الأصم. وقيل: أخاف اللَّه على الكفار، وليس ذلك بمودة؛ لأنهم يريدون هلاكهم فهو عدو ولد آدم، عن أبي مسلم. وقيل: كَذَبَ عدو اللَّه أنه ما به مخافة، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة فأوردهم وأسلمهم، وذلك عادته مع من أطاعه، وقيل: لما رأى الملائكة خاف أن يكون الوقت الذي أُنظر إليه أو حضرت القيامة فيعذبه اللَّه تعالى، وقيل: يعني أخاف [لأني] أعلم صدق اللَّه - تعالى - في وعده لأوليائه «وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ»