التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب 48}

صفحة 2958 - الجزء 4

  قلنا: إذا علموا من بعد أن جميع ما فعله وقاله كان كذبًا، وأن ما أخبرهم به من الهزيمة ونزول الملائكة كان صدقًا، وإن لم يكن سراقة فكان ذلك لطفًا، وفي الابتداء يجوز أن يكون المعلوم لا يختلف كقوله، ويحتمل أن يكون المعلوم أنهم متى أمنوا العرب لم يتشددوا في الحذر استهانة بالمسلمين وتقليلاً، فيكون لطفًا، ويحتمل أنه لكونه معهم وأنه القائد لهم نزلت الملائكة، وأنه أخبرهم بذلك فكانت معجزة ولطفًا.

  ومتى قيل: أكانت رؤية الملائكة لطفًا له؟

  قلنا: نعم، من وجهين:

  أحدهما: خوفه منهم من غير أن قصدوه فكيف في الآخرة إذا قصدوه.

  والثاني: براءته منهم في الدنيا فكيف في الآخرة.

  ومتى قيل: بماذا علموا أن سراقة لم يكن معهم، وأن ذلك كان الشيطان؟

  قلنا: لأن أحدًا من بني بكر لم يحضر الوقعة، وكان هو رئيسهم، فلو حضر لحضر غيره، ولأن الحارث بن هشام عاتبه، فحلف أنه لم يحضر الوقعة، وكان إبليس لما رأى ما رأى وَلَّى هاربًا فخاض البحر، فقال الناس: جن سراقة، فكان يحلف أنه لم يكن منه شيء، وانتشر حديث إبليس في قريش، وروي عن النبي ÷ أنه قال: «ما رئي إبليس يومًا هو فيه أصغر وأحقر من يوم عرفة إلا ما رئي يوم بدر».