التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب 52 ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم 53 كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين 54}

صفحة 2970 - الجزء 4

  الكلبي. وقيل: نعمة، أي بعث محمدًا نعمة على قريش فكذبوه وأخرجوه، فنقله إلى الأنصار، عن السدي. وقيل: أنعم عليهم بالحياة والقدرة والحواس وسائر النعم ليشكروه ويعبدوه فكفروا وعبدوا غيره، فغيَّر اللَّهُ - تعالى - ذلك بالنقمة، عن أبي علي وأبي مسلم. وقيل: غيروا بالكفر فغيَّر اللَّهُ بإنزال العقاب «وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لأقوالهم «عَلِيمٌ» بضمائرهم وبكل شيء، «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ» أي: كعادتهم وطريقتهم في التغيير والتكذيب، وقيل: في تعذيبهم بعذاب الاستئصال «وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» من كفار الأمم «كَذَّبُوا بِآياتِ رَبّهِمْ» حججه وبيناته.

  ومتى قيل: لم أعاد «كدأب آل فرعون»؟

  فجوابنا: أنه قيل تأكيدًا وتفصيلا لتلك الجملة؛ لأنه أجمل في الأول وفصل ههنا، عن أبي مسلم. وليس بتكرار.

  وقيل: الأول في تكذيبهم والثاني في استئصالهم.

  وقيل: الأول في أخذهم بالعذاب، والثاني في كيفية العذاب.

  وقيل: الأول في أخذهم بعذاب السيف والثاني تعليل أنه لم يعذبهم حتى غيروا، كما لم يعذب آل فرعون إلا بعد التغيير.

  وقيل: هما نوعان - من العذاب: أحدهما ضرب الوجوه والأدبار عند الموت، والثاني العذاب بعد الموت عن أبي علي.

  وقيل: الأول. هو ضرب الوجوه والأدبار والبشارة بالعذاب، والثاني أنه إنما فعل ذلك بهم للتغيير، وهذا أقرب الوجوه إلى نظم الآية.

  «فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ» أي استأصلناهم بذنوبهم فأهلكنا عادًا بالريح وثمود بالصيحة، وفرعون بالغرق، وقوم شعيب بالظلة، وقارون بالخسف، وقوم داود