التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون 59 وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون 60 وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم 61}

صفحة 2981 - الجزء 4

  للنبي ÷ والمراد غيره، وقيل: تقديره: لا تحسب أيها السامع وأيها الإنسان، وقيل:

  الخطاب للنبي ÷ وهو المراد تطييبًا لقلبه في الهاربين كما طَيَّبَ نفسَهُ في المقتولين والمأسورين، وعلى قراءة الياء لا يحسب الكافر نفسه، وقيل لا يحسب المؤمن الكافر «الَّذِينَ كفَرُوا» قيل: هو عام في جميع الكفار، وقيل: هم الَّذِينَ قادوا يوم بدر «سَبَقُوا» قيل: فاتوا، وقيل: أمهلهم اللَّه - تعالى - إلى مدة عن الأصم «إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ» قيل: تم الكلام عند قوله: «سبقوا» ثم استأنف، فقال: «إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ» وقيل: بل يتصل به، تقديره: إنهم سبقوا إنهم يعجزون، والمعنى لا يعجزون اللَّه حتى لا يبعثهم ولا يجازيهم، عن الأصم. وقيل: لا يعجزون اللَّه في الدارين، وقيل: لا يعجزونك، فإن فاتوا يوم بدر فستدركهم في غيره من الأيام، وينصرك اللَّه عليهم حتى تظفر بهم، عن أبي علي. وقيل: لا يعجزون: لا يفوتون، عن أبي عبيدة.

  ثم أمرهم باتخاذ العدة للقاء العدو، وألا يخرجوا كما خرجوا يوم بدر اتكالاً على مثل ذلك، فقال سبحانه: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ» أي: اتخذوا العدة وآلة الحرب لقتال الكفار «مَا اسْتَطَعْتُمْ» أي: ما قدرتم عليه «مِنْ قُوَّةٍ» قيل: الرمي روي مرفوعًا أنه قرأ الآية، ثم قال: «القوة في الرمي - ثلاثًا -»، وقيل: القوة الحصون، عن عكرمة. «وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيلِ» أي: ما يرتبط عن الخيل، قيل: الأفراس العراب، وقيل: القوة ذكور الخيل، والرباط الإناث منها النتاج، عن الحسن وعكرمة. «تُرْهِبُونَ بِهِ» أي تُخَوّفُون بما تعدون «عَدُوَّ اللَّهِ» قيل: عدو دينه، وقيل: عدو أوليائه، فأضافه إلى نفسه تفخيمًا لشأنهم، وقيل: عدو اللَّه من يعصيه ويخالفه في أمره «وَعَدُوَّكُمْ» أي بينكم وبينهم عداوة للدين «وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ» أي: كفارا آخرين دون هَؤُلَاءِ.

  اختلفوا في قوله: «آخَرِينَ» وفي قوله: «مِنْ دُونِهِمْ» أن الكناية عمن، فأما قوله: «آخرين» قيل: هم بنو قريظة، عن مجاهد، وقيل: أهل فارس، عن السدي. وقيل: المنافقون، عن الحسن وابن زيد. قال: لا تعرفونهم؛ لأنهم يصلون ويصومون