التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين 62 وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم 63}

صفحة 2988 - الجزء 4

  يَخْدَعُوكَ» يغدروا أو يمكروا فلا تمكر فيهم، فإن اللَّه حسبك أي يكفيك [كما] أيدك بالملائكة وبالنصر، وكفاك شر الكفار، كذلك يكفيك شر هَؤُلَاءِ «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ» قواك بنصره وذلك إنزال الملائكة، وتقوية القلب، وإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، وبالريح وغير ذلك «وَبِالْمُؤْمِنِينَ» قيل: بجماعة مَنْ معك من المؤمنين، وقيل: بالأنصار «وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِمْ» قيل: ألّف بينهم حتى اجتمعوا على الدين ونصرة الإسلام، عن أبي مسلم. وقيل: زين الإسلام في قلوبهم بالوعد والوعيد حتى أسلموا وتوازروا على نصرة النبي ÷، والدفع عنه «لَوْ أَنْفَقْتَ» أعطيت «مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا» من صنوف الأموال «مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» أي: ما جمعت بين قلوبهم بذلك «وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ» بلطفه، فاجتمعوا على نصرك، وذلك غير مقدور لبشر «إِنَّهُ عَزِيزٌ» قادر على ما يشاء من التأليف وغيره «حَكِيمٌ» يفعل من مقدوره ما هو الحكمة والمصلحة.

  · الأحكام: تدل الآية على وجوب الانقطاع إلى اللَّه - تعالى - عند مكايدة العدو وسائر الأحوال ليكفي المهم، وتدل على أنه يكفي أمره مَنْ انقطع إليه، وتدل على أنه المنعم عليه بالنصر والتأييد وتأليف قلوب المؤمنين، وأنه القادر على ذلك دون غيره.

  ومتى قيل: كيف يؤلف بين القلوب؟

  قلنا: بلطفه حتى يؤمنوا، ويشتركوا في الدين، ويوالي بعضهم بعضًا، أو بالأمر به والنهي عن صده، أو بالوعد والوعيد.

  وتدل على معجزة للرسول ÷؛ لأنه مع كثرة عداوتهم وقتالهم لما أسلموا وبايعوه صاروا إخوانًا، مع ما عليه العرب من الحمية والخُلُق.