قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير 72 والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير 73 والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم 74 والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم 75}
  ثم أعاد ذكر المهاجرين بمدحهم والثناء عليهم تأكيدًا لأمرهم، فقال سبحانه: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّه وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا» نبينا معناه «أُولئكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا» قيل: حققوا إيمانهم بالهجرة، والجهاد، وبذل المال خلاف من أقام بدار الشرك، عن الأصم. وقيل: حقق إيمانهم بالبشارة التي بشرهم بها، وليس لمن لم يهاجر ولم ينصر مثل ذلك.
  ومتى قيل: هل بقيت الهجرة؟
  فجوابنا: أن الأكثر على أنه لا هجرة بعد الفتح لاتساع بلاد الإسلام، وقيل: هي باقية كما كانت عن القاسم بن إبراهيم #، وقيل: بقيت هجرة الأعراب إلى الأمصار إلى يوم القيامة، عن الحسن.
  «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» غفران ما تقدم من ذنبهم «وَرِزْقٌ» عطاء، وهو ثواب الجنة «كَرِيمٌ» عظيم شريف، وقيل: الرزق طعام الجنة لا يستحيل في أجوافهم، ولكن يصير كالمسك رشحًا «وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ» [قبل] نزول الآية، عن أبي علي. وقيل: بعد الحديبية، وقيل: بعد الفتح، حكى الوجهين الأصم.
  قال ابن عباس: ترك النبي ÷ الناس يوم توفي على أربع منازل: مؤمن مهاجر، وأنصاري، وعربي لم يهاجر وإن استنصر في الدين كان حقًا نصره، الرابع:
  التابعون بإحسان.
  «وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ» من جملتكم أيها المؤمنون «وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» قيل: في المواريث بإجماع المفسرين؛ لأنها كانت بالدِّين والهجرة، ثم نسخت بالرحم، قال قتادة: كان الأعرابي لا يرث المهاجر حتى نزلت هذه الآية «فِي كِتابِ اللَّهِ» قيل: فيما كتب في اللوح المحفوظ