قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير 72 والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير 73 والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم 74 والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم 75}
  يعني هَؤُلَاءِ بعضهم أولى ببعض، وإن لم تكن بينهم قرابة من قراباتهم من الكفار، قيل: في التوراة، عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والسدي. وقيل: في الموالاة في الدين والتناصر والتعاون، عن الأصم. وقيل: في نفوذ أمان بعضهم على بعض، فإن واحدًا من المسلمين إذا أَمَّنَ صح الأمان، واختلفوا في العبد المحجور هل يجوز أمانه، قال أبو حنيفة: لا، وقال الشافعي: يصح.
  «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» قيل: من الميراث؛ لأنه لم يهاجر، ولم يَنْصُرْ، وقيل: من التناصر والتعاون والاشتراك في الغنيمة «حَتَّى يُهَاجِرُوا» فحينئذ يحصل لهم ذلك «وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ» طلبوا نصركم وإعانتكم على الكفار «فَعَلَيكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَينَكُمْ وَبَينَهُمْ مِيثَاقٌ» يجب الوفاء به «وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» أي: عليم بأعمالكم لا يخفى عليه شيء، يجازيكم بها «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» قيل: في الميراث، يرث الكافر الكافر، عن ابن عباس وأبي مالك. وقيل: في النصرة والمعاونة عن قتادة وابن إسحاق، «إِلَّا تَفْعَلُوهُ»، هو أن يتولى المؤمنون الكافرين دون المؤمنين، وقيل: إلا تطيعوا اللَّه في أمره وحكمه، عن الأصم. فتصلوا من أمركم بصلته، وتقطعوا من أمركم بقطعه «تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ» قيل: ضلالة عظيمة، وقيل: كفر عظيم، وقيل: هرج، وأخذ المسلم بالرجوع إلى الكفر؛ لأن التبري من الكفار أحد ما يدعو الكافر إلى الإيمان والمؤمن إلى التشدد في الدين «وَفَسَادٌ كَبِيرٌ» لما يظهر من المعاصي وقطع المنافع وإخافة الطرق وولاية غير المستحق وكثرة الظلم.