التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون 9 لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون 10 فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون 11 وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون 12}

صفحة 3043 - الجزء 4

  اللَّه، وقيل: أَكْلَةً أطعمهم أبو سفيان [إياها] «فَصَدُّوا» منعوا، وقيل: أعرضوا، وقيل: انصرفوا عنه ومنعوا غيرهم «عَنْ سَبِيلِهِ» دينه؛ لأنه طريق رحمته وثوابه «إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي: بئس العمل عملهم وهو الكفر، والصد عن سبيل اللَّه، ونقض العهد «لا يَرْقُبُونَ» لا يحفظون، ولا يراعون «فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً» بينا معناها.

  ومتى قيل: لم كرر ذكرها؟

  قلنا: قيل: الأول في صفة جميع الناقضين للعهد، والثاني في صفة اليهود عن أبي علي، وقيل: [ذكر ذلك تأكيدًا].

  «وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ» أي: المجاوزون الحد في الكفر والعصيان، وقيل: في نقض العهد «فَإِنْ تَابُوا» ندموا على ما كان منهم من الشرك وسائر المعاصي، وعزموا على ترك العود إليه، وقبلوا الإسلام فأولئك إخوانكم «فِي الدِّينِ» يعني يجب لهم من الموالاة ما يجب لسائر المؤمنين، ويجب عليهم ما على المسلمين، قال ابن عباس: حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة، ولأنه بالظاهر يصير أخًا للمؤمنين، وقال ابن زيد: افترض اللَّه - تعالى - الصلاة والزكاة، ولم يفرق بينهما، ولم [يقبل صلاة] إلا بزكاة، ثم قال: يرحم اللَّه أبا بكر ما كان أفقهه.

  «وَنُفَصِّلُ الآياتِ» نميزها من الشبه تنبيهًا «لِقَوْم يَعْلَمُونَ» أي: للعلماء ومن يتفكر فيعلم.

  ثم بيّن حال من لم يتب فقال سبحانه: «وَإنْ نَكَثُوا» نقضوا «أَيْمَانَهُمْ» أي: عهودهم وما حلفوا عليه «مِنْ بَعْدِ» أن عقدوه «وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ» عابوه وقدحوا فيه، ذلك أنهم كانوا يقولون: ليس دين محمد بشيء «فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ» قيل: جميع ما تقدم على الكفر، فجعلهم لصفة صنعهم أئمة الكفر، عن أبي علي. وقيل: رؤساء قريش وقادة الكفر، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وقيل: فارس والروم، عن مجاهد. وقيل: علماء الضلال؛ لأنهم القدوة «إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ» أي لا يقولون بما يحلفون، وقيل: لا وفاء لهم بالعهد عن قطرب، وقيل: هم أهل الزيادة «لَعَلَّهُمْ