التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين 19 الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون 20 يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم 21 خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم 22}

صفحة 3060 - الجزء 4

  فنحن خير أم محمد وأصحابه، فقالوا: بل أنتم، مع علمهم أن محمَّدا وأصحابه يؤمنون بِاللَّهِ واليوم الآخر، وأن المشركين يكذبون، ولكن قضوا بذلك حسدًا وبغيًا، ففيهم نزلت الآية: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ».

  وذكر أبو مسلم أن الخطاب للمشركين، وأنكر نزوله في العباس، واستدل بخاتمة الآية، وأن عليًا والعباس مؤمنان.

  · النظم: لما تقدم نهي المشركين عن عمارة المسجد الحرام، والأمر للمؤمنين بَيَّنَ بعده أنهما لا يستويان، وبين الفضل بينهما.

  ويقال: كيف يتصل قوله: «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» بما قبله؟

  قلنا: لما بين أنه هدى المؤمنين فاهتدوا، وأن الكفار لم يهتدوا بيّن أنه لا يهديهم إلى الجنة، فقابل النقض بالنقيض، ثم وصف المؤمنين. وما أعد لهم.

  · المعنى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» لا تجعلوا سقاية الحاج «وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» مع الشرك كالإيمان في الفضل، وكانوا يعدون ذلك في باب القرب عن أبي علي، وأبي مسلم. وقيل: إنه خطاب للمؤمنين، أي: لا تجعلوا السقاية والعمارة وإن كانتا قربة كالإيمان والهجرة والجهاد «كَمَنْ آمَنَ» صَدَّقَ «بِاللَّهِ» وتوحيده وعدله وما يجب له وما يستحيل عليه «وَالْيَوْمِ الآخِرِ» أي: يوم القيامة، يعني يصدق بالبعث، وسمي ذلك اليوم آخرًا لتأخره عن الدنيا «وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» في دينه «لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ» في الفضل والدرجة «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ» الفاسقين إلى الجنة وطريق ثوابه «الظَّالِمِينَ» قيل: الكافرين لظلمهم على أنفسهم، وقيل: الظالمين لغيرهم، ثم وصف المؤمنين فقال: «الَّذِينَ آمَنُوا» وصدقوا وعرفوا وعملوا «وَهَاجَرُوا» أي: خرجوا من دار